194

أولها : أن يريد أنكم تعلمون أن الأنداد التي هي الأصنام وما جرى مجراها التي تعبدونها من دون الله تعالى لم ينعم عليكم بهذه النعم التي عددها ولا بأمثالها ، وأنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تبصر ؛ ومعلوم أن المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام ما كانوا يدعون ولا يعتقدون أن الأصنام خلقت السماء والأرض من دون الله ولا معه تعالى ؛ فالوصف لهم هاهنا بالعلم إنما هو لتأكيد الحجة عليهم. ويصح لزومها لهم ؛ لأنهم من العلم بما ذكرناه ويكونون أضيق عذرا.

والوجه الثاني : أن يكون المراد بقوله تعالى : ( وأنتم تعلمون ) أي تعقلون وتميزون ، وتعلمون ما تقولون وتفعلون ، وتأتون وتذرون ، لأن من كان بهذه الصفة فقد استوفى شروط التكليف ، ولزمته الحجة ، وضاق عذره في التخلف عن النظر وإصابة الحق.

ونظير ذلك قوله تعالى : ( إنما يتذكر أولوا الألباب ) (1)، و ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (2).

والوجه الثالث : ما قاله بعض المفسرين كمجاهد وغيره أن المراد بذلك أهل الكتابين التوارة والإنجيل خاصة. ومعنى ( وأنتم تعلمون ) أي أنكم تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.

فعلى الوجهين الأولين لا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )؛ لأن علمهم تعلق بشيء ، وجهلهم تعلق بغيره. وعلى الوجه الثالث إذا جعل الآية التي سئلنا عنها مختصة بأهل الكتاب أمكن أن تجعل الآية التي وصفوا فيها بالجهل تتناول غير هؤلاء ؛ ممن لم يكن ذا كتاب يجد فيه بيان التوحيد ؛ وكل هذا واضح بحمد الله (3).

( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) [البقرة : 23].

পৃষ্ঠা ৩১২