নাফাহাত রাইহানা
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
وإني لينهاني نهاي عن التي ... أشاد بها الواشي ويعقلني عقلي
وما أنا بالمهدي إلى السؤدد الخنا ... ولا بالمسيء القول في الحسن الفعل
فهات جوابًا عنك ترضي به العلى ... إذا سألتني بعد ألسنة الحفلِ
فبين الرِّضا والسُّخط ظنِّي واقفٌ ... وقوف الهوى بين القطيعة والوصلِ
ولو تيسرت لي مخاطبتك مشافهةً لكان لي معك ذوقٌ من الكلام، لكن لما عزَّت المشافهة، استغنيت بالمكاتبة والمراسلة، قائلًا:
لك الحمد أما من نحبُّ فلا نرى ... وننظر من لا نشتهي فلك الحمدُ
ولعمري إن ليلي عليك ليل السليم، ونهاري دونك نهار الأليم. وفكري قد صدئَ لعدم مطارحتك، وطرفي قد قذي لندرة مشاهدتك. وقلبي لعزة رضاك واجبٌ مضطرب، وصدري لعلة مؤانستك حرج ضيِّق، وفمي لبعد مصاحبتك واجمٌ ساكت، وصادف حجاي عارضٌ وعين، فغلبني الدمع بسلاسل من عسجد ولجين:
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمرُ
لقد صديت مرآة الخيال، وقذي طرفٌ طال ما سهر الليال. وتزلزل محلُّ سيدي من قلبي، أطال له البقاء، ومنحه سوابغ النعم والارتقاء.
رفقًا بمنزلك الذي تحتلُّه ... يا من يخرِّب بيته بيديهِ
وضاق وسع الفضا، وسكت مصقع الخطبا. وجنَّ صاحي القوم، وبكت مقلةٌ يعزُّ عليها النوم.
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ... وأذللت دمعًا من خلائقه الكبرُ
معلِّلتي بالوعد والموت دونه ... إذا متُّ عطشانا فلا نزل القطرُ
أما تتقي الله في واقفٍ أمامك، مستغفرٍ تائب. وأرق ما يعرض على المولى قول القائل:
سلي تعلمي إن كنت غير عليمةٍ ... بأن ليس في حبِّي لغيرك مطمعُ
فأنَّ لي القلب الذي ليس خاليًا ... من الوجد والجفن الذي ليس يهجعُ
فوالله ما أنفكُّ أذكر موضعي ... لديك ولا أنفك نحوك أنزعُ
وبالجملة:
أُعيذها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمُ
وهاك هدية الوقت، وعفو الساعة، وفيض البديهة. ومسارقة القلم، ومسابقة اليد للفم. وجمرات الحدَّة، وثمرات المودَّة. ومهاداة الخاطر للناظر، ومباراة الطَّبع للسَّمع، ومجاذبة الجنان للبيان. وها هو جواد البلاغة علك الشَّكيم، حابس العنان، لم يأخذ طلقه، ولم يستوف مضماره.
وهذا هو النهض فما بالك بالركض، وقد آلى لا يعرق عرق التنبيه ما لم يسمع بتصهالهِ، ويرعد بقرع نعاله. ويوصل ممتطيه غايةً لا تدرك، وغارةً بالرياح الهوج لا تنهك. ومع ذلك لو نظمت النثر كالدرر، وأتيت به رائقًا كنسيم السَّحر، وموشيًا كألوان الزهر، وما كنت إلا كمهدي التمر إلى هجر، والفصاحة لأهل الوبر.
وآخر ما أقول إن ودي موقوفٌ عليك، وحبيس سبيلك، وتحت رهنك. فمتى عاودته، وجدته سائغ المعبر، غضَّ المنظر، جنيَّ المخبر. يندى بشاشةً، ويقطر حسنًا، ويفوح عنبرًا، ويثمر لطفًا. فإن فعلت ذلك فهو حسن، وإن عدت فالعود أحمد. وإن كان الأمر كما يقال: لا ولا. فالغبن مشترك. والله يتولى السرائر، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وإن راسلتك بما زاد أو نقص فهو منك، وبسببك والسلام.
وله من كتاب كتبه، وهو بجبل الشوف، إلى بعض خواصِّه، جوابًا عن كتاب كتبه إليه، يطلب بعض طرائف الجبل: وإني أراك تُهدي ولا تستهدي، وتضلُّ في رأيك ولا تستهدي.
وكأنك تلوِّح بطرائف هذه الجبال، وليس فيها سوى العُقاب والوبال، عدد ما فيها من الحجارة والرمال.
وما ظنِّي إلا أنَّك تسبَّبت إلى استهداء طرائف المقال، وتقنَّعت عن جرِّ الأثقال، بالقيراط من الجواهر والمثقال.
وإلا فأنت أعلم بالحال، وما فيها من ضروب المحال، والاختلال، والاعتلال، والاضمحلال، والابتذال.
ولقد قرأت في أخبار بعض الأخيار؛ أن بعض الأدبار الأُرباء، كتب إلى بعض الأمراء النُّجباء. يستهديه من طرائف خراسان، ويلوِّح بالإحسان من فضل ذلك الإنسان.
فكتب إليه ذلك الأمير العريض الجاه، سقا الله ثراه، ورضي عنه وأرضاه: أما بعد، فقد وصل كتابك، معرِّضًا بطرائف هذه الناحية، وقد بعثت إليك بعدل صابونٍ لتغسل عني طمعك، والسلام.
1 / 29