والخطوة التالية لم يرتبها القدر، صحيح أن قدمها التوت، ولكن كان باستطاعتها احتمال الألم الخفيف والسير بمفردها.
لماذا إذن - حين حاولت الخطو - بالغت في التألم والعرج؟
أتكون قد لاحظت أنه تلكأ، وأنه يا للغرابة يبدو أنه يحتاج منها أن تحتاج إليه؟
دون كلمة عرض أو إيماءة قبول كان بجوارها، ويده تحت إبطها، بكل ما يستطيع من رقة يساعد في حمل الجسد، رقة حنون افتقدتها من زمن، رقة حنون كرقة الأبناء الأطفال قبل أن يصبحوا رجالا، وينقلوا رقتهم تلك إلى حبيباتهم وزوجاتهم.
كان مفروضا أن يتوقف موكبها لدى أول محطة ترام أو أوتوبيس، أو عند أول تاكسي، ولكن الموكب استمر. لم تطلب، لم يسأل، بل ولا حديث إلا بين الحين والحين: تعبتك؟ فتجيئها إجابته مستنكرة، مغرقة في الاستنكار لدى كل مرة تالية: - أعمل إيه عشان أقنعك إني بأعزك قوي؟ - ما تزقيش. - بس أنا يا ابني زي أمك، عيب!
إنها دائما تعود إلى موضع الألم، ولكن الطريقة التي تنطق بها كلمة أمك كأنما تعنيها ولا تريده أن يصدقها. لقد حرمته أمه بموتها من نفسها ومن النساء. هذه «الست» تعيد إليه كل شيء مرة واحدة، وكأنه في حلم. إنه يكتشف الآن فقط أنه جوعان محروم ضائع، يكاد يجن وهو يحس بها ترتكز على يده ارتكازة جسد أليف محب. لو تكون محرومة من الخلفة، وتتبناه وكل يوم ترتكز عليه بهذه الألفة! ولكن ذراعه بدأت، وكأنما تحيا حياة أخرى بعيدة عن كل أفكاره! فالجسد الذي تحتويه بدا من فرط ما فيه كالزبدة يسيح. ذراعه الممزقة عنها «الأوفرول» في أجزاء، تشركه رغما عنه، وتنقل له من خلال ملابس غالية - وإن كانت أكثر مما يحتمل الجو - ذلك الإحساس، ونعومة جسد الأم تفقد كل صفاتها الأخرى، ولا يبقى فيها سوى تلك الرجرجة الشحمية المرتاحة، رجرجة الستات المرتاحات، رجرجة تبقي السيدة أنثى، ولو وصلت إلى الستين، ولكنها لا يبدو أنها وصلت أبدا إلى الخمسين، بل إن ما فيها من أنوثة أكثر بكثير من زوجة جارهم سائق التاكسي التي تبدو بعد عامها السابع من الزواج وكأنما جف فيها كل ما يمت إلى النساء بصلة. - تعبانة؟ - شوية. - كده أحسن.
وبكل ذراعه أحاطها حتى أصبحت في حضنه، وأصبحا في حارة، وأصبحت تعرف أنه في الثامنة عشرة، وأنه يعمل مع أبيه في تصليح البوتاجازات، وأنهما يقطنان قريبا، وأنه وحيد، وأن أمه ماتت في عملية.
وأيضا أصبحت تعرف سبب غضب السيدة زينب منها؛ فليست هذه أول مرة تأتي إليها مضطرة.
بعد المشوار الطويل، بعد أن تصبح جدة للمرة الرابعة، وأما لمدير عام شاب لامع، ولدكتور في جامعة يؤكدون أنه الوزير القادم، والثالث تاجر سيارات مستعملة وأغناهم جميعا، وبنت تزوجت وتعمل أيضا في الخارجية.
سعادة الاكتفاء موجودة ولا حد لها. المهمة تمت بنجاح ساحق رغم أن المرحوم مات في ثلاثة أرباع الطريق. الجميع يتوجونها أما مثالية، ويأتي أولادها كل عيد، وكل مناسبة، وانتي، وانتي، وانتي ... ولكنها كلمات.
অজানা পৃষ্ঠা