13
ثم إصراره بعد ذلك على أن أخوال إسماعيل من الجراهمة، في قوله: «وبنو إسماعيل أخوالهم من جرهم»،
14
وقوله في موضع آخر: «ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت، والحكام لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم»؛
15
فإن الأمر كله يفضي إلى أن أم إسماعيل (هاجر) المعروف أنها مصرية الأصل، هي أيضا «جرهمية»، وهي عند «أورسيوس» عملاقة، ويصادق جميعه على صدق فرضنا أن كلمة «جرهم» مأخوذة من الأصل «مجر» الذي يعني «مصر»، ولا يكون هناك مندوحة من التسليم - في ضوء ما جمعناه من شواهد - بأن الجراهمة هم العمالقة هم المصريون، وأن العملقة كانت من صفة المصريين أو الجراهمة، لتفسر عظمتهم في الإنشاء والإعمار، وعليه تكون هاجر أم إسماعيل، وكذلك زوجته من العمالقة الجراهمة المصريين، ولعل اسم «هاجر» يشير إلى معنى المصرية، فالهاء أداة التعريف في العربية الشمالية وفي العبرية، «وجر» أو «مجر» هي مصر، وربما أسقط حرف الميم بالتخفيف مع مرور الزمن. ومن هنا نفهم أيضا لماذا لم يعترض أحد على «أورسيوس» من أهل زمانه وأولهم أستاذه «أوغسطين». فلا ريب أن الأمر حينذاك لم يكن مثيرا للاعتراض، وهو بالطبع لن يكون كذلك، إلا إذا كان لدى أهل زمانه مأثور هو من المسلمات والمعروف، ومن نوافل المعلوم الذي اكتسب قدسية التقادم، يشير إلى ما وصلنا إليه، وهو أن «العمالقة مصريون»، ومن هنا أيضا نفهم لماذا ظل العبريون طوال حوالي ألف عام من تاريخهم يعبدون ربهم في خيمة، أو جعلوا من هذه الخيمة بيتا له ومسكنا أسموها «خيمة الاجتماع»، ولم يكن ذلك إلا لأنهم أهل بداوة وتنقل، بينما تمكن فرعهم الإسماعيلي المتصل بالجراهمة العمالقة أن يقيم للرب بناء معماريا بدلا من الخيمة البدوية في زمن مبكر، «ومن يعرف البناء في مجتمع خيموي؟»
وقد سبق لنا في مقال نقدي لمنهج «د. سيد كريم»، ومعالجته لموضوع بعنوان «قدماء المصريين وبناء الكعبة »،
16
أن أشرنا إلى أنه رغم انتقادنا لمنهجه بقسوة، فنحن نتفق معه في نقطة هامة حول القول بهجرة مصرية من «منف» إلى جزيرة العرب، لذلك وجب التنويه أن «د. كريم» أفاد أن الاسم «جرهم» يعني «مهاجري مصر»، وذلك مما يلتقي مع مذهبنا، وكنا نتمنى أن يكون المصدر الذي اعتمده بين أيدينا، لنرفقه بالهوامش زيادة في الفائدة لكنه لم يشر إلى مصادره، وقد أفاد أيضا أن الاسم «مناف» في جزيرة العرب مأخوذ من كلمة «منف» المصرية، وهو قول يمكننا أن نكسبه صلابة وقوة إذا ربطناه بمذهبنا هنا، لأن المناف لغة من القوة والنيف، أي الزيادة في الحجم، فالكلمة بذلك تشير إلى معنى العملقة، كما تلتقي «عبد مناف» مع تعبير ابن خلدون «عبد ضخم»!
أما أكثر المدهشات في أمر «المسعودي» عند الباحثين، وربما اعتبروها من سقطاته وغضوا الطرف عنها، بينما هي لدينا أكثر مقولاته اتساقا مع طبيعة الأمور، وتحتاج إمعان النظر فيها، هي قوله في إشارة خاطفة: «وقيل إن هؤلاء العمالقة بعض فراعنة مصر.»
অজানা পৃষ্ঠা