20
وهنا أيضا، نجد «د. طعيمة» لا يذهب أبعد من «أور» ودولة الكلدانيين رغم المفارقة الزمنية، ثم لا يرى في حضارة العراق وشعبها (واصطلاح العراقة لغة مأخوذ من عراق) سوى أنه شعب وثني ومتخلف! لاحظ مرة أخرى (ومتخلف)! وللتوراة هنا - كما هو واضح - دورها الخطير وأثرها العجيب، والتي لم يترك كاتبوها فرصة للطعن فيمن اصطلحوا على تسميتهم «بني حام» إلا وانتهزوها، بل قد تجد اللعنات أحيانا بدون مناسبة وفي غير سياقها، وهو أمر لا يحتاج جهدا في كشفه، فإضافة إلى أن أرض كنعان كانت الغرض والمشتهى، فإن العراق ومصر قد جعلوا من الدويلة الإسرائيلية زمنا طويلا كرة يتقاذفانها، ولم ينس هؤلاء أبدا أن الفرعون «مرنبتاح» ومن بعده الفرعون «شيشنق» قد سحقا هذه الدولة، ثم جاء العراقيون القدامى الآشوريون أولا، ثم «نبوخذ نصر» الكلداني، ليجهزوا على ما تبقى منها، ولم يكن بيدهم سوى صب اللعنات على رءوس العراقيين والمصريين.
أما اتفاق «ماير» و«طعيمة» على وثنية الشعب العراقي آنذاك وهو اتفاق مؤمنين، فربما كان مقبولا للتعددية في العبادة، لكن ما لا يجب إغفاله أن الشعب العبري نفسه كان معددا، وعبد كثيرا من الآلهة في آن واحد. ولعل أغرب الحقائق في بابه أن الإله الذي عرف في التوراة خلال الحقبة الإبراهيمية، وطوال سفر التكوين، والمعروف بالاسم «إيل» أو «إل» كان إلها معبودا لدى جميع الساميين، وفي كنعان، وبخاصة في العراق القديم! كما كان الاسم «إيل» يستخدم كعلم عام دال على أي إله من آلهة الرافدين القدامى، وفي التوراة نجد الاصطلاح الإلهي في سفر التكوين هو «إللوهيم» وهو الجمع العبري للمفرد «إل»، ويعني ببساطة «الآلهة»!
«أور» المشكلة؟
الحل!
ومرة أخرى نجمل المشكلة في موجز يحددها ويوضحها:
التوراة تقول:
إن الركب الإبراهيمي المهاجر قد خرج من «أور الكلدانيين» على الشاطئ الجنوبي لنهر الفرات، يقصد أرض كنعان الفلسطينية، مما يشير إلى أن الجزء الجنوبي من العراق القديم كان هو موطن النبي إبراهيم.
والمفروض أن كنعان هي فلسطين الحالية، وهي بذلك تقع إلى الغرب من «أور»، تفصلهما مسافة من بادية الشام الأردنية.
لكن الركب - دونما سبب واضح - يتحول شمالا، ويستمر يضرب مسافات وبلدانا ومواطن، ويتجاوزها جميعا دون توقف، حتى يصل إلى ما تسميه التوراة «حاران»، وقد حدد الباحثون في التوراة موضع «حاران» المقصودة في أقصى الشمال، داخل الحدود الأرمينية التركية القديمة. وهنا لا مندوحة عن التساؤل: لماذا التحول من الطريق المباشر والقصير إلى كنعان، وتجشم مصاعب مضاعفة عدة أضعاف للوصول إليها عن طريق حاران؟ ناهيك عن أن هذه الرحلة التي ما كانت تستغرق على ظهور الحيوانات أكثر من عشرين يوما مع التلكؤ الشديد، قد استغرقت عن طريق حاران خمسة عشر عاما، أو أن هذه المدة - بالتدقيق التوراتي - هي الزمن الذي انصرم، ما بين خروج الركب من «أور» إلى أن وصل «كنعان»!
অজানা পৃষ্ঠা