وطلب من المجاورين للمسجد , الذين كانت تفتح دورهم عليه مباشرة , أن يسدوا منافذهم تلك ؛ للحفاظ على نظافة المسجدفقال : ": سدوا هذه الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر " ؛ لأنه سيحتاج إلى الخروج إليه كل حين , وعلى غير ميعادللتباحث في أمر المسلمين , فيشق عليه تغيير مخرج بيته .
ثم بدأ يلمح للمسلمين بقرب أجله , حيث تمت رسالة الإسلام , وبلغ ما أنزل إليه من ربه أحسن بلاغ, فخرج - صلى الله عليه وسلم - على الناس فخطبهم , وتحلل منهم أي طلب من له عنده شيء أن يأتي ليأخذه منه , وفعل ذلك ورعا منه - صلى الله عليه وسلم - ثم قال لهم : " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا , وبين ما عنده , فاختار ما عنده " فقال أبو بكر : بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال : على رسلك ( هون عليك ) يا أبا بكر , ثم جمع صلى الله عليه وسلم من كان غائبا من أصحابه فودعهم وعيناه تدمعان , ودعا لهم فقال : " أوصيكم بتقوى الله.. إني لكم نذير وبشير , ألا تعلوا على الله في بلاده وعباده , فإنه قال لي ولكم : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " القصص 83.
وظل - صلى الله عليه وسلم - يتابع أمر قيام أبي بكر بالأمر دونه حتى الدقائق الأخيرة من حياته , فقد كشف - صلى الله عليه وسلم - ستار حجرته صباح اليوم الذي قبض فيه , فلما رأى الناس صفوفا خلف أبي بكر ,تبسم صلى الله عليه وسلم, فشعر به الصحابة في صلاتهم , وهم بعضهم أن يفسح له الصف , ليدخل لكنه عجز عن الخروج إليهم , وأشار إليهم أن مكانكم , وأسدل ستار غرفته , بعد رؤيته هذا المشهد الذي أثلج صدره , لتصعد روحه إلى باريها .
ورغم ذلك لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على خلافة الصديق مباشرة ؛ لأنه لم يشأ أن يسلب المسلمين حقهم , وإرادتهم في اختيار من يقوم بشئونهم ويتولى أمرهم.
পৃষ্ঠা ১২