وَمِمَّا يستغربونه من تراجمه أَن يضمن التَّرْجَمَة مَا لم تجر الْعَادة بِذكرِهِ فِي كتب الْفِقْه، كترجمته على أكل الْجمار، فيظن أَن هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته بِدَلِيل خَاص، لِأَنَّهُ على أصل الْإِبَاحَة كَغَيْرِهِ، لَكِن لحظ هُوَ فِيهِ أَنه رُبمَا يتخيل أَن تجمير النّخل إِفْسَاد وتضييع لِلْمَالِ، فنبه على بطلَان هَذَا الْوَهم إِن سبق إِلَيْهِ أحد.
قلت: - رَضِي الله عَنْك! - وَقد سبق الْوَهم إِلَى بعض المعاصرين فانتقد على من جمّر نَخْلَة وَاحِدَة بعد أُخْرَى ليقتات بالجمار تحرجًا وتورعًا مِمَّا فِي أَيدي النَّاس لما عدم قوته الْمُعْتَاد فِي بعض الأحيان. وَزعم هَذَا الْمُعْتَرض إِن هَذَا إِفْسَاد خَاص لِلْمَالِ وَفَسَاد عَام فِي المَال. وَرُبمَا يلْحقهُ بنهي مَالك ﵀ عَن بيع التَّمْر قبل زهوه على الْقطع إِذا كثر ذَلِك، لِأَن فِيهِ تسببًا إِلَى تقليل الأقوات. فَمَا وقفت على تَرْجَمَة البخارى ظَهرت لي كرامته بعد ثَلَاث مائَة سنة ونيف ﵀.
وَله أَمْثَال هَذِه التَّرْجَمَة كَثِيرَة ومجموع مَا وجدت لَهُ من هَذِه الْأَنْوَاع قريب أَربع مائَة تَرْجَمَة تحْتَاج التَّنْبِيه، فأثبتّها ونبهت على كل نوع مِنْهَا فِي مَكَانَهُ بأقصى الْإِمْكَان، وأخصر وُجُوه الْبَيَان. وَكَأَنَّهُ ﵀ تحرج أَن يصنف فِي الْفِقْه على نعت التصانيف المشحونة بالوقائع الَّتِي عَسى كثير مِنْهَا لم يَقع، فَيدْخل فِي حيّز الْمُتَكَلف الَّذِي هدّد بِأَنَّهُ لَا يعان على الصَّوَاب، وَلَا يفتح لَهُ بَاب الْحق فِي الْجَواب. كَمَا نقل عَن مَالك ﵀ أَنه كَانَ يكره أَن يُجيب عَن مَسْأَلَة لم تقع ويعتقد أَن الضَّرُورَة إِلَى الْجَواب خَلِيقَة بِأَن يرحم صَاحبهَا بالعثور على
1 / 38