بعباداته فِي غَار حراء، فَلَمَّا ألهمه الله صدق الْهِجْرَة إِلَيْهِ، وَطلب وجد وجد، فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت بَدْء فَضله عَلَيْهِ باصطفائه وإنزال الْوَحْي عَلَيْهِ، مُضَافا إِلَى التأييد الإلهي والتوفيق الرباني الَّذِي هُوَ الأَصْل والمبدأ والمرجع والموئل. وَلَيْسَ على معنى مَا ردّه أهل السّنة على من اعْتقد أَن النُّبُوَّة مكتسبة، بل على معنى أَن النُّبُوَّة ومقدماتها ومتمماتها، كلٌّ فضل من عِنْد الله، فَهُوَ الَّذِي ألهم السُّؤَال وَأعْطى السؤل، وعلق الأمل وَبلغ المأمول، فَلهُ الْفضل أَولا وآخرًا وظاهرًا وَبَاطنا ﷾.
وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله ". وَهُوَ أمس بِالْمَقْصُودِ الَّذِي نبهنا عَلَيْهِ. وَذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان، وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَنْهَا بقوله: " فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ " فأفهم ذَلِك أَن كل مَا هَاجر إِلَى شَيْء فَهجرَته إِلَيْهِ فَدخل فِي عُمُومه الْهِجْرَة إِلَى الله. وَمن عَادَته أَن يتْرك الِاسْتِدْلَال بِالظَّاهِرِ الْجَلِيّ، ويعدل إِلَى الرَّمْز الْخَفي. وَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثَال ذَلِك.
(٢ -] كتاب الْإِيمَان [)
(١) بَاب الدّين يسر وَقَوله [ﷺ]: " أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة ".
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [ﷺ]: " الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا
1 / 49