মুতাওয়ালি সালিহ

ওয়াদিক আবু ফাদিল d. 1373 AH
16

মুতাওয়ালি সালিহ

المتوالي الصالح

জনগুলি

أما ما تسألني عنه بشأن محمد وشقيقته فالمدارس كثيرة، وأنا أفضل المدارس الأميركية أو المدارس العالية التي يديرها بعض الوطنيين، الذين تربوا في المدارس الأميركية وأشربوا روح تلك الأمة العظيمة وتعاليمها، وقدموا الوطنية والأخلاق العالية على كل اعتبار؛ لأن الأميركيين لا غاية سياسية لهم عندنا، وهنالك مدارس للبنات توافق ابنة صاحبنا الهلالي، وهذه المدارس تعلم البنات مبادئ العلوم العصرية، وتثقف عقولهن وتربيهن التربية القويمة، وتعدهن لتكن زوجات صالحات وأمهات فاضلات، ونساء يفتخر الوطن بانتمائهن إليه، ولا أخفي عليك أمرا، ربما لا تعرفه، وهو أن الفضل في تربيتي وتعليمي العلوم العالية راجع إلى والدتي بالأكثر؛ لأن أبي كان يرغب أن أنضم إليه حينما انتهيت من الدروس الابتدائية، ولكن والدتي، التي كانت قد أرضعتني حب العلم منذ الصغر، واهتمت بتربيتي اهتماما عظيما، ألحت على والدي أن يرسلني إلى الكلية، ووعدته أن تقتصد من مصروف المنزل وتقطع عن نفسها من الزينة والملبوس، وغير ذلك ما يكفي لسد نفقات المدرسة، وهكذا تمكنت بفضل والدتي العاقلة من استئناف الدرس.

فقال الشيخ: «نعم الأم ونعم الأب والابن، وما أسعد البيت الذي تكون ربته خير رفيق ومعوان لزوجها، وأكبر معلم ومرشد لأولادها! فحيث تعلمت والدتك فهنالك تتعلم هيفاء، وما العبرة يا بني بالمدرسة، بل باستعداد الطالبة ورغبتها، فالمدرسة تمهد السبيل أمام الطلاب وعليهم هم التحصيل، فمن أحب العلم ورغب فيه نال منه ما أراد، وسوف يعود رب الدار عما قليل فساعدني على إقناعه.»

وشعر سليم في تلك اللحظة بوقع خطوات خفيفة في الغرفة المحاذية، فعلم أن هيفاء كانت تنصت لأقوالهما وتسمع ما دار بينهما من الحديث فاغتبط؛ لأنه علم أنها ستنال ما تطلب وترغب فيه.

ثم جاء يوسف الهلالي ففاتحه الشيخ صالح بأمر تعليم ولديه، وما كان من رأي سليم فأظهر الميل إلى ذلك، ولكنه استصعب إدخال محمد إلى المدرسة وهو في الثانية والعشرين من عمره، أما بشأن ابنته، فقال: إنها أصبحت كبيرة على المدرسة ولا يرى فائدة من إرسالها خارج البيت؛ لأن ذلك يضحك أبناء القرية ويبعث على استخفافهم به والسخرية منه، فضلا عن أن هنالك من يود الاقتران بابنته، وقد عرض مهرا يوازي أضعاف ما يأخذه غيره من الوالدين مهرا لبناتهم.

فضحك الشيخ، وقال: ومن هذا الزوج الذي تود أن تبيعه ابنتك بأقل مما تباع به فرس أو بغلة، ثم تقول إنك والد كريم تحب أولادك وتسعى إلى خيرهم، وتحرم ابنتك وفلذة كبدك من العلم والفضل؛ لأجل زوج كهذا تخشى أن يفلت منك، فمن هو يا ترى؟!

قال: هو سلمان أحمد، صاحب الأراضي الواسعة والثروة الكبيرة، وأخشى من أن ابنتي تذهب إلى المدرسة فتحرم من مثل هذا النصيب، فانتصب الشيخ صالح واقفا، وقال: «أف لك يا يوسف! أترضى أن تكون ابنتك الوحيدة المحبوبة امرأة رجل كسلمان، لا تجهل أنت كيف جمع ماله بطرقه الدنيئة، وهو أخبث رجل عرفته نفسا وأحط قدرا، فالمال لا يشتري السعادة والهناء ولا يرفع قيمة الإنسان، فضلا عن أن صاحبك متزوج وله أربع زوجات عدا المحظيات، وإنه لو كان عندي عبدة ربيت في بيتي لما رضيت أن أعطيها لهذا الوغد الزنيم، فكيف ترضى أن تجعل ابنتك تعسة كل أيام حياتها من أجل بضع ليرات، واعلم أنك إن زوجتها بمثل هذا الرجل الفاسق، جلبت على نفسك العار وعلى أهلك التعاسة والشقاء، فكيف تكون ابنتك راضية بهذا الزواج، وهي تجد أمامها رجلا فاسقا قاسي القلب، عديم الذمة والمروءة، لا هم له إلا إشباع بطنه وشهواته، وهو ينظر إلى النساء كما ينظر إلى الأنعام فدونك، وهذا الزواج الفاسد إذا كنت تريد لابنتك خيرا ولنفسك وأهلك راحة وصفاء. فإذا شئت التخلص من وعدك، ابعث بابنتك إلى المدرسة تشتري لها ولأهلك الراحة والسعادة بثمن قليل.»

الوداع

كان سليم على أحر من الجمر في ذلك الأسبوع؛ فقد برح به الشوق إلى والدته وأهله كما أخذ يشعر بحب حقيقي لتلك القرية الجميلة ومن فيها، وأصبح لا يفكر بشيء كما يفكر برؤية هيفاء قبل الفراق.

مضى عليه يومان لم يخل بنفسه ولا تركه الضيوف وأصحاب الدار ساعة واحدة منفردا، وفي اليوم الثالث شعر أنه يستطيع أن يمشي قليلا مستعينا بعكاز، فخرج إلى البستان المجاور للبيت وجلس تحت ظل شجرة صفصاف كبيرة يتأمل في الماء المتدفق أمامه، وكان يوسف في ذلك الوقت قد أخذ بعض العمال، وذهب إلى كرم بعيد عن البيت فلم يكن أحد قريبا من سليم، وبينما هو كذلك، إذ سمع وقع أقدام ورأى هيفاء مقبلة نحوه وهي تميس بين الأشجار كأنها عود بان.

فخفق قلبه وشعر أن لبه قد طار، ثم أقبلت نحوه وحيته بصوتها العذب الذي كان يضرب على أوتار قلبه فيرن رنات أين منها رنات المثاني والعود!

অজানা পৃষ্ঠা