وبعد ، فإن قوله : ( ففسقوا فيها ) يدل على أن المأمور به هو الشيء الذى بفسقهم خرجوا عنه ، ولو لا ذلك لم يصح أن يتعلق به.
فالمراد بالآية : أنه أمرهم بالطاعة ففسقوا بالخروج عن ذلك ، فحق عليهم القول والوعيد ، لأنه تعالى كان خبر عنهم أنهم سيهلكون بسوء اختيارهم (1).
أما الزمخشرى رحمه الله ، فقد رد هذا الوجه بإطلاق ، وقال فى ذلك كلاما دقيقا ننقله بنصه تعقيبا على اختيار القاضى وترجيح الطبرى ، قال : (فإن قلت : هلا زعمت أن معناه : أمرناهم بالطاعة ففسقوا! قلت : [ لا يصح ] لأن حذف ما لا دليل عليه [ غير ] جائز ، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه؟ وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن (فسقوا ) يدل عليه ، وهو كلام مستفيض ؛ يقال : أمرته فقام ، وأمرته فقرأ ، ولا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام وقراءة. ولو ذهبت تقدر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب ) (ولا يلزم على هذا قولهم : أمرته فعصانى ، أو : فلم يمتثل أمرى ؛ لأن ذلك مناف للأمر ، مناقض له ، ولا يكون ما يناقض الأمر مأمورا به ، فكان محالا أن يقصد أصلا ، حتى يجعل دالا على المامور به ، فكان المأمور به فى هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوى ؛ لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لأمره مأمورا به ، وكأنه يقول : كان منى أمر فلم تكن منه طاعة ، كما أن من يقول : فلان يعطي ويمنع ويأمر وينهى ، غير قاصد إلى مفعول ، ثم يفعل. (فإن قلت : هلا كان ثبوت والعلم بأن لله لا يأمر بالفحشاء ، وإنما يأمر بالقصد والخير ، دليلا على أن المراد : أمرناهم بالخير ففسقوا قلت لا يصح ذلك ؛ لأن قوله : ففسقوا ، يدافعه ، فكأنك أظهرت شيئا وأنت تدعي إضمار خلافه ).
أما الوجه عنده ، فهو صرف الأمر إلى المجاز ، قال فى قوله تعالى : [وإذا
পৃষ্ঠা ৪৬১