وليس كذلك حال الرؤية ؛ لأن الجهل بها مع العلم بنفى التشبيه يمكن معه العلم بصحة كلامه على وجه يمكن الاستدلال به ، فورود الجواب على من يجهل ذلك يؤثر (1)، من حيث يمكنه أن يعلم به الملتمس بالسؤال.
فأما شيوخنا رحمهم الله ، فقد استدلوا بهذه الآية على أنه تعالى لا يرى ؛ لأنه تعالى قال : ( لن تراني ) وذلك يوجب نفى رؤيته تعالى فى المستقبل أبدا ، فإذا صح ذلك من موسى وجب مثله فى الأنبياء والمؤمنين.
فإن قال : فإذا كان سأل الرؤية فى الحال ، فالجواب يجب أن يقتضى نفيها فى الوقت ، فمن أين أنه يعم فى المستقبل؟
قيل له : قد يتضمن الجواب ما سأل السائل وغيره إذا كان ظاهر الجواب يقتضيه ، لأنه فى الإبانة أبلغ ، من حيث بين حال ما سأل عنه وحال غيره من الأوقات ، ولو لا أن الأمر كذلك لم يعلم بهذا القول أنه لا يراه إلا فى أقرب الأوقات إلى مسألته فقط ، والمتعالم خلافه!
وقوله تعالى : ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) يدل أيضا على أنه لا يرى ، من حيث علق الرؤية باستقراره ، والمعلوم أنه لا يستقر ، وذلك طريقة العرب إذا أرادوا تأكيد اليأس من الشيء علقوه بأمر يبعد كونه . فلما جعله تعالى دكا ، وظهر بعد استقراره ، لذلك ، فى النفوس ، حل محل الأمور التى يبعد بها الشيء إذا علق بها فى الكلام ، لأن استقراره ، وقد جعله دكا ، يستحيل ، لما فيه من اجتماع الضدين ، فما علق به يجب أن
পৃষ্ঠা ২৯৬