أجابت فلو: «تم التخلص منه. اعتاد الناس القول إن أفضل قطع للحم الحملان يكون بمجزر تايد!» وأضافت بشيء من الأسف: «كان كل ذلك أكاذيب على الأرجح.»
لفتت نبرة الحسرة والشفقة والحذر التي شابت حديث فلو انتباه روز عن مشاهدة تحريك الرياح للظلة القديمة المتمزقة. عندما كانت فلو تروي قصة ما - لم تكن تلك القصة الوحيدة التي تعرفها، أو حتى أكثرها بشاعة - كانت تحني رأسها، ويبدو وجهها رائقا ورصينا وآسرا ومحذرا. «ليس من المفترض أن أتحدث معك عن هذه الأمور.»
واصلت فلو روايتها للقصة.
اجتمع ثلاثة شباب ممن يتسكعون في إسطبلات الخيول المعروضة للإيجار - أو جمعتهم معا شخصيات أكثر نفوذا واحتراما في المدينة - وتأهبوا لضرب تايد العجوز بالسياط، دفاعا عن الأخلاق العامة. طلا أولئك الشباب وجوههم باللون الأسود، وحصلوا على سياط وربع كأس ويسكي لكل منهم ليمنحهم الشجاعة. وقد كانوا: جيلي سميث، عداء في سباقات الخيل وسكير؛ وبوب تمبل، لاعب كرة مفتول العضلات؛ وهات نيتلتون، الذي يعمل في نقل الأثقال بالمدينة، وحصل على اسم شهرته «هات» بسبب القبعة المستديرة السوداء التي كان يرتديها من باب الخيلاء والمزاح في الوقت نفسه. كان لا يزال يعمل في نقل الأثقال وظل محتفظا باسمه، وإن لم يعد يرتدي القبعة، وكان يمكن رؤيته علنا - بقدر ما يمكن رؤية بيكي تايد - وهو ينقل أكياس الفحم، التي سودت وجهه وذراعيه. من المفترض أن يستدعي ذلك قصة ذلك الرجل، ولكن ذلك لم يحدث؛ فالحاضر والماضي - ذلك الماضي الميلودرامي المبهم لقصص فلو - كانا منفصلين تماما، على الأقل بالنسبة إلى روز، فما كان لشخصيات الحاضر أن تتلاءم مع الماضي. بيكي نفسها، أعجوبة المدينة والشخصية المدللة للجميع، المسالمة والخبيثة، لا يمكن ربطها أبدا بسجينة الجزار، تلك الابنة العاجزة، ذات الوجه الأبيض الذي يطل من الشباك، الصامتة، المقهورة، والمغتصبة. شأنها شأن منزل الجزار، لا يمكن ربط ما كان عليه في الماضي بما صار عليه في الحاضر إلا رسميا فقط.
وصل الشباب، الذين استعدوا لضرب الجزار العجوز بالسياط، أمام منزله في وقت متأخر من اليوم بعد أن نام الجميع. كان معهم سلاح ناري، لكنهم استنزفوا ما معهم من ذخيرة بإطلاقها في فناء المنزل. أخذوا يصيحون على الجزار كي يخرج لهم، ويطرقون الباب بقوة حتى تمكنوا في النهاية من كسره. استنتج تايد أنهم يريدون المال، فوضع بعض الأوراق النقدية في منديل، وأرسلها مع بيكي، ربما ظنا منه أنهم سيتأثرون أو يخافون عند رؤيتهم فتاة صغيرة قصيرة القامة ملتوية العنق أمامهم. لكن ذلك لم يرضهم؛ فصعدوا الدرج وجروه من تحت السرير وهو برداء النوم إلى الخارج وأوقفوه وسط الجليد. كانت الحرارة آنذاك أربعا تحت الصفر، وهو الأمر الذي ذكر لاحقا في المحكمة. اعتزم أولئك الشباب عقد محاكمة صورية لتايد، لكنهم لم يستطيعوا تذكر كيفية إجرائها، ومن ثم، بدءوا في ضربه، واستمروا في ذلك إلى أن سقط على الأرض. أخذوا يصرخون في وجهه: «يا لحم الجزار!» وواصلوا الضرب، بينما استحال رداء النوم الذي كان يرتديه والثلج الذي استلقى عليه إلى اللون الأحمر. قال ابنه روبرت في المحكمة إنه لم يشهد الضرب، في حين قالت بيكي إن روبرت شاهد ما حدث في البداية، ثم هرب واختبأ. هي نفسها شاهدت كل ما حدث حتى النهاية، ورأت الرجال وهم يغادرون المكان، ووالدها يتقدم ببطء وسط الجليد والدم ينزف من جسده، حتى صعد درجات الشرفة. لم تخرج بيكي لمساعدته، ولم تفتح الباب حتى وصل إليه. وعند سؤالها في المحكمة عن سبب ذلك، قالت إنها لم تخرج إليه لارتدائها رداء النوم فقط، ولم تفتح الباب لأنها لم ترغب في دخول الصقيع إلى المنزل.
بدا بعد ذلك أن استعاد تايد العجوز عافيته، فأرسل روبرت لإعداد الحصان، وجعل بيكي تسخن بعض الماء ليغتسل. وارتدى ملابسه، وأخذ كل ما معه من مال، وبدون أي شرح لأبنائه عما يفعله، أخذ المركبة وقادها إلى بلجريف، حيث ترك الحصان مقيدا في الصقيع، واستقل القطار الذي انطلق في الصباح الباكر إلى تورونتو. وعلى متن القطار، تصرف على نحو غريب، وأخذ يدمدم ساخطا ويسب كما لو كان مخمورا. وعثر عليه في اليوم التالي في أحد شوارع تورونتو، فاقدا الوعي ومحموما، فنقل إلى المستشفى حيث توفي. وكانت لا تزال معه كل أمواله. وشخص سبب الوفاة بالالتهاب الرئوي.
لكن السلطات سمعت بالأمر، وفقا لرواية فلو. وأحيلت القضية إلى المحكمة، وحكم على الرجال الثلاثة الذين اعتدوا عليه بالسجن مدة طويلة. مسرحية هزلية، هكذا وصفت فلو ما حدث. ففي غضون عام واحد، أفرج عنهم جميعا بعد أن صدر أمر بالعفو عنهم، وكانت هناك وظائف بانتظارهم، وكان السبب في ذلك هو تدخل العديد من علية القوم في هذا الشأن. وبدا كل من بيكي وروبرت غير مهتمين بتنفيذ العدالة؛ فقد تركهما والدهما ميسوري الحال، واشتريا منزلا في هانراتي، وأدار روبرت محل الجزارة، في حين بدأت بيكي - بعد عزلتها التي دامت طويلا - في الظهور والاندماج الاجتماعي.
انتهت القصة على هذا النحو، فتوقفت فلو عن روايتها كما لو كانت قد سئمت منها، فلم تعد بالخير على أحد.
قالت فلو: «تخيلي!»
كانت فلو آنذاك، بلا شك، في أوائل الثلاثينيات من عمرها؛ امرأة شابة ترتدي ملابس سيدة في الخمسينيات أو الستينيات أو السبعينيات من عمرها: فساتين منزلية كثيرة الألوان وفضفاضة حول الرقبة والأكمام والخصر؛ وميدعة مطبخ كثيرة الألوان أيضا كانت تخلعها عند خروجها من المطبخ ودخولها المتجر. كان ذلك الزي هو الشائع آنذاك لسيدة فقيرة، وإن لم تكن معدمة، لكنه كان في الوقت نفسه اختيارا حرا يوحي بالازدراء؛ فكانت فلو تزدري السراويل الفضفاضة، والملابس التي يحاول الناس التأنق بارتدائها، وأحمر الشفاه وتموجات الشعر الثابتة؛ فكانت تقص شعرها الأسود مستقيما بحيث يصل طوله إلى خلف أذنيها بالضبط. كانت فلو طويلة القامة، لكنها تمتعت في الوقت ذاته بتنسيق عظمي جيد، فكان عرض معصميها وكتفيها صغيرا، ورأسها صغير، ووجهها شاحب منمش متقلب يشبه وجه القرد. لو كانت فلو تؤمن بأهمية الاعتناء بالذات، وكان لديها الموارد اللازمة، لكان من الممكن أن تتمتع بنوع من الجمال الرقيق الذي يجمع بين سمرة البشرة وشحوبها، ذلك الجمال الذي يبدو طبيعيا؛ هذا ما أدركته روز فيما بعد، لكن كي يتحقق ذلك، كان على شخصية فلو أن تتبدل تماما، وأن تقاوم رغبتها في تقطيب جبينها لنفسها وللآخرين.
অজানা পৃষ্ঠা