أرسل لها باتريك رسالة قال فيها: «لا أفهم ما حدث في ذلك اليوم، وأرغب في التحدث معك بشأنه، لكنني أعتقد أنه ينبغي علينا الانتظار أسبوعين لا يرى فيهما أحدنا الآخر، ولا نتحدث؛ لنتبين حقيقة مشاعرنا بنهاية تلك الفترة.»
نسيت روز تماما إرجاع الخاتم له، وعندما خرجت من المبنى الذي توجد فيه شقته ذلك الصباح، كانت لا تزال ترتديه. لم تستطع العودة إلى الداخل، وأيضا كان الخاتم قيما للغاية بحيث لا يمكن إرساله بالبريد، فاستمرت في ارتدائه ولم تخلعه، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو عدم رغبتها في إخبار الدكتورة هينشو بما حدث. وشعرت بالارتياح عند تلقيها رسالة باتريك؛ إذ رأت أن بإمكانها إرجاع الخاتم إليه عندما تلتقيه.
فكرت فيما قاله باتريك عن الدكتورة هينشو. لا ريب أن ثمة جانبا من الحقيقة فيما قاله، وإلا لماذا عزفت تماما عن إخبارها بانفصالها عن باتريك، وما هو سبب عدم رغبتها في مواجهة موافقة الدكتورة العقلانية على هذا القرار، وتلقي تهانيها المتحفظة التي تكشف ارتياحها؟
فكان ما قالته للدكتورة هينشو أنها ستمتنع عن رؤية باتريك أثناء استعدادها للامتحانات. ولاحظت روز ارتياح الدكتورة هينشو لذلك.
أخفت عن الجميع ما حدث، فلم تكن الدكتورة هينشو وحدها هي من لا ترغب روز في معرفتها بالأمر؛ فلم ترغب روز أن يتوقف الآخرون عن حسدهم لها؛ لقد كانت خبرة جديدة تماما عليها.
حاولت التفكير فيما ستفعله، لم يكن من الممكن أن تستمر في الإقامة بمنزل الدكتورة هينشو. كان من الواضح أنها إذا هربت من باتريك، فينبغي عليها الهروب من الدكتورة هينشو أيضا. ولم ترغب كذلك في الاستمرار بالكلية مع أشخاص يعلمون بانفصالها عن خطيبها، ومع أولئك الفتيات اللاتي سيهنئنها الآن ويخبرنها أنهن علمن من البداية أن علاقتها بباتريك مجرد صدفة. ستضطر إذن للبحث عن وظيفة.
كان رئيس أمناء المكتبة قد عرض عليها وظيفة في فصل الصيف، لكن ربما تكون الدكتورة هينشو وراء هذا الاقتراح، وقد لا يستمر هذا العرض عند تركها المنزل. وعلمت أنها بدلا من المذاكرة استعدادا للامتحانات، سيتحتم عليها الذهاب إلى وسط المدينة لتتقدم للعمل كموظفة حفظ الملفات في مكاتب التأمين، أو في شركة التليفونات، أو في المتاجر الكبيرة. أخافتها الفكرة، وواصلت الاستذكار. كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي تجيده حقا؛ فهي في النهاية طالبة حاصلة على منحة دراسية.
بعد ظهيرة يوم السبت، وبينما كانت تعمل في المكتبة، رأت باتريك. لم تكن مصادفة؛ وإنما ذهبت إلى الطابق السفلي محاولة عدم إحداث أية ضجة عند نزولها على السلالم المعدنية الحلزونية. وجدت لنفسها مكانا في منطقة تخزين الكتب، في ظلام شبه تام، لتتفقد ركن القراءة الذي اعتاد الجلوس فيه. نظرت، ولم تستطع رؤية وجهه، لكنها رأت عنقه الطويل الوردي، وقميصه القديم المنقوش بالمربعات الذي اعتاد ارتداءه أيام السبت. عنقه الطويل، وكتفاه النحيلتان. لم يعد يزعجها أو يخيفها؛ لقد تحررت منه، وصار بإمكانها النظر إليه مثلما تنظر إلى أي شخص آخر. كان بإمكانها أن تشعر نحوه بالتقدير؛ فقد أحسن التصرف. لم يحاول إثارة شفقتها، ولم يزعجها، ولم يتحرش بها بالخطابات والمكالمات الهاتفية المثيرة للشفقة. لم يذهب إلى منزل الدكتورة هينشو ويجلس أمام الباب. لقد كان شخصا جديرا بالاحترام، ولن يعلم أبدا مدى تقديرها لذلك، وشعورها بالامتنان له. اعتراها في تلك اللحظة شعور بالخجل من كل ما قالته له، فلم يكن صحيحا، أغلبه لم يكن كذلك؛ فقد كان يعرف كيف يمارس الحب . تأثرت عند رؤيتها له وحزنت، ورق قلبها، وشعرت بالشوق له. أرادت أن تمنحه شيئا ما، وتمنت أن تمحو تعاسته.
تشكلت في ذهنها صورة مقنعة لنفسها وهي تركض برقة نحو الركن الذي يجلس به باتريك، وترتمي عليه لتطوقه بذراعيها من الخلف، معيدة له كل شيء سلبته منه. لكن هل سيقبل ذلك منها؟ هل لا يزال يرغب في ذلك؟ تخيلتهما وهما يضحكان ويبكيان ويفسران ما حدث ويسامح كل منهما الآخر. «أحبك. أحبك حقا. سيكون كل شيء على ما يرام الآن. ما قلته كان بشعا، ولم أكن أقصده. كانت نوبة من الجنون. أحبك.» كان ذلك إغراء كبيرا لها؛ ولا يمكنها مقاومته. شعرت بالرغبة في الاندفاع، بيد أنها لم تستطع أن تحدد ما إذا كان هذا الاندفاع أشبه بالسقوط من أعلى جرف أم الولوج إلى فراش دافئ من الزهور والأعشاب الجميلة.
لم تتمكن روز من مقاومة هذا الإغراء في النهاية، وفعلت ما تخيلته. •••
অজানা পৃষ্ঠা