وقد حاولت في البدء أن تقنعه قبل أن تعترف ذلك الاعتراف الشائن.
فقالت له: إني أحبه يا أبي حبا لا ينزعه من قلبي غير الموت، نعم إنه فقير، ولكنا أغنياء، وهو يحبني بملء جوارحه، وهو شقي مثلي برفضك، فلماذا لا نكون ولدين بقربك بدلا من واحد، فنكون خير عزاء لك في شيخوختك؟
وقد جعلت تقبله وتسترضيه بالبكاء والابتسام؛ فحن قلبه وقال لها: إني أحبك يا ابنتي العزيزة، ولا يوجد من يحبك حبا صادقا منزها غير أبيك، فثقي به واعلمي أنه لا يريد بكل ما يفعله غير سعادتك؛ فإن جان غير كفء لك. - ولكني أحبه. - لا تعيدي هذا القول يا ابنتي، ولا تبكي؛ فإنك لا تزالين في مقتبل عمرك، فأنت تتكلمين الآن بلسان الفتاة لا بلسان المرأة، أإلى هذا الحد تريدين الإسراع بالانفصال عن أبيك؟ - لا ننفصل عنك يا أبي، بل نقيم عندك ونعيش وإياك. - أصغي إلي يا ابنتي؛ فإن الواجب يقضي علي بأن أطلعك على كل شيء، إني لا يمكن أن أوافق على زواجك بهذا الرجل؛ لأني أعرف عنه ما لا تعرفينه، وقد حضرت مولده وخبرته منذ كان طفلا إلى اليوم، فله من العيوب ما لا يجوز أن يخدش بها مسامع الفتيات، ثم إنه منافق محتال، فإذا قال لك إنه يحبك فهو إنما يقول ذلك بلسانه لا بقلبه؛ لأنه ليس له قلب، وإنما يدفعه إلى خداعك طمعه بمالك، فإذا فقد رجاءه من هذا الباب انصرف إلى سواك من فوره. - إنك تسيء الحكم عليه يا أبي. - بل إني أقول الحق؛ فهو لا يطمع إلا بثروتك. - كلا؛ بل إنه يحبني. - أتريدين أن أبرهن لك على عكس ما تقولين؟ - كيف ذلك ؟ - ذلك أني أدعوه إلى هنا، ومتى حضر أظهر أمامك وأمامه أني خسرت في البورصة ثلاثة أرباع مالي، وأني بت مضطرا إلى بيع مزارعي حتى هذا القصر الذي أنا فيه، فإذا رضي بك بعد ذلك أكون مخطئا ووافقت على زواجكما واعتذرت إليه أمامك. - أسرع يا أبي بالكتابة إليه، وأنك تنتظر قدومه لترى أنه يحبني حقيقة دون مالي.
فهز الكونت رأسه وقال: وإذا اضطرب بعد أن يعلم إفلاسي، وتردد أو اختلق حجة لتأخير موعد الزواج أو تعلل بالسفر فماذا تقولين؟
فأكبت على عنق أبيها تقبله وتقول: أسرع يا أبي بالكتابة إليه وسوف ترى.
فامتثل وكتب إليه مشترطا عليها ألا تقول له كلمة، ولا تشير إشارة تدل على هذه الخدعة.
قالت: دون شك؛ فإن أقصى مرادي أن تعلم بأنك مخطئ بالحكم عليه كي يطمئن قلبك.
وفي اليوم التالي أقبل جان واجتمع الثلاثة في قاعة الاستقبال، فبدأ الكونت الحديث فقال: إن ابنتي تحبك يا موسيو جان، وحاشا أن أعترض في سبيل سعادتها؛ فإني لا أطيق أن أكون السبب في بكائها، ولما كان الحب بينكما متبادلا فقد وافقت على زواجكما.
فوقف جان وقد اصفر وجهه لوثوقه أن مرسلين اعترفت له بالحقيقة؛ إذ لم يكن يتوقع منه هذا التساهل السريع.
ومضى الكونت في حديثه فقال: نعم، إني رضيت بزواجكما ولا أجد سببا لتأخير عقده، فتأهب له وأنا سأعد معداته، وهنا لا بد لي أن أقول لك ولها كلمة تتعلق بحالتي المالية.
অজানা পৃষ্ঠা