فأنشأ الزوج يقول:
زهّدني في فرشها وفي الحلل ... أنّي امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النمل وفي السبع الطول ... وفي كتاب الله تخويف يجل
فقال له القاضي:
إنّ لها عليك حقّا لم يزل ... في أربع نصيبها لمن عقل
فعاطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال: إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاثة أيام بلياليهن ولها يوم وليلة، فقال عمر ﵁: لا أدري من أيكم أعجب أمن كلامها أم من حكمك بينهما، إذهب فقد وليتك البصرة.
حكاية المتكلمة بالقرآن
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه ﵊، فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزت ذاك، فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف، فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقالت: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ٥٨
«١»، قال: فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ
«٢»، فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
«٣»، فعلمت أنها قد قضت حجها، وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟
قالت: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا
«٤»، فقلت: ما أرى معك طعاما تأكلين؟ قالت: هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
«٥» فقلت:
فبأي شيء تتوضئين؟ قالت: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا
«٦»، فقلت لها: إن معي طعاما، فهل لك في الأكل؟ قالت: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ
«٧»، فقلت:
ليس هذا شهر رمضان. قالت: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ
«٨»، فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر.
قالت: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
«٩»، فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨
«١٠»، فقلت: فمن أي الناس أنت؟ قالت: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ٣٦
«١١» فقلت:
قد أخطأت فاجعليني في حل، قالت: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ
«١٢» فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة، قالت: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
«١٣» قال: فانخت ناقتي، قالت: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ
«١٤» فغضضت بصري عنها وقلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
«١٥» فقلت لها: اصبري حتى أعقلها، قالت: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ
«١٦» فعقلت الناقة وقلت لها:
اركبي فلما ركبت قالت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ١٣ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ١٤
«١٧» قال:
فأخذت بزمام الناقة، وجعلت أسعى وأصيح فقالت:
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ
«١٨» فجعلت أمشي رويدا رويدا وأترنم بالشعر، فقالت: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
«١٩» فقلت لها: لقد أوتيت خيرا كثيرا، قالت:
وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ
«٢٠» فلما مشيت بها قليلا قلت: ألك زوج؟ قالت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
«٢١» فسكت، ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة، فقلت لها: هذه القافلة فمن لك
1 / 67