قال: من الأرض.
قال: فأين تريد؟
قال: أمشي في مناكبها.
فقال الأعرابي وهو يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر: أتقرض الشعر؟ قال: إنما يقرض الفأر.
فقال: أفتسجع؟
قال: إنما تسجع الحمامة.
فقال: يا هذا ائذن لي أن أدخل قبتك.
قال: خلفك أوسع لك.
فقال: قد أحرقني حر الشمس.
قال: ما لي عليها من سلطان.
فقال: الرمضاء أحرقت قدمي.
قال: بل عليها تبرد.
فقال: إني لا أريد طعامك، ولا شرابك.
قال: لا تتعرض لما لا تصل إليه، ولو تلفت روحك.
فقال الأعرابي: سبحان الله.
قال: نعم من قبل أن تطلع أضراسك.
فقال الأعرابي: هل عندك غير هذا؟
قال: بلى. هراوة أضرب بها رأسك.
فاستغاث الأعرابي يا جار بني كعب.
قال الغضبان: بئس الشيخ أنت، فو الله ما ظلمك أحد فتستغيث.
فقال الأعرابي: ما رأيت رجلا أقسى منك أتيتك مستغيثا فحجبتني وطردتني، هلا أدخلتني قبتك وطارحتني القريض؟
قال: ما لي بمحادثتك من حاجة.
فقال الأعرابي: بالله ما اسمك، ومن أنت؟
فقال: الغضبان بن القبعثري.
فقال: اسمان منكران خلقا من غضب.
قال: قف متوكئا على باب قبتي برجلك هذه العوجاء.
فقال: قطعها الله إن لم تكن خيرا من رجلك هذه الشنعاء.
قال الغضبان: لو كنت حاكما لجرت في حكومتك لأن رجلي في الظل قاعدة ورجلك في الرمضاء قائمة.
فقال الأعرابي: إني لأظنك حروريا.
قال: اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير ويريده، فقال: إني لأظن عنصرك فاسدا.
قال: ما أقدرني على إصلاحه.
فقال الأعرابي: لا أرضاك الله ولا حياك ثم ولى، وهو يقول:
لا بارك الله في قوم تسودهم ... إني اظنّك والرحمن شيطانا
أتيت قبّته أرجو ضيافته ... فأظهر الشيخ ذو القرنين حرمانا
فلما قدم الغضبان على الحجاج وقد بلّغه الجاسوس ما جرى بينه وبين ابن الأشعث وبين الأعرابي قال له الحجاج: يا غضبان كيف وجدت أرض كرمان؟
قال: أصلح الله الأمير أرض يابسة الجيش، بها ضعاف هؤلاء إن كثروا جاعوا، وإن قلوا ضاعوا.
فقال له الحجاج: ألست صاحب الكلمة التي بلغتني أنك قلت لابن الأشعث تغدّ بالحجاج قبل أن يتعشى بك، فو الله لأحبسنك عن الوساد، ولأنزلنك عن الجياد، ولأشهرنك في البلاد.
قال: الأمان أيها الأمير، فوالله ما ضرت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له.
فقال له: ألم أقل لك كأني بصوت جلاجلك تجلجل في قصري هذا، اذهبوا به إلى السجن، فذهبوا به، فقيد وسجن، فمكث ما شاء الله، ثم إن الحجاج ابتنى الخضراء بواسط فأعجب بها، فقال لمن حوله: كيف ترون قبتي هذه وبناءها؟
فقالوا: أيها الأمير إنها حصينة مباركة منيعة، نضرة بهجة، قليل عيبها، كثير خيرها.
قال: لم لم تخبروني بنصح؟
قالوا: لا يصفها لك إلا الغضبان، فبعث إلى الغضبان، فأحضره، وقال له: كيف ترى قبتي هذه وبناءها؟
قال: أصلح الله الأمير بنيتها في غير بلدك لا لك ولا لولدك لا تدوم لك، ولا يسكنها وارثك، ولا تبقى لك، وما أنت لها بباق.
فقال الحجاج: قد صدق الغضبان ردوه إلى السجن، فلما حملوه قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
«١»، فقال: أنزلوه، فلما أنزلوه قال: رَبِ
1 / 59