من نتن ريح الكفار، فأوحى الله إليها أنّ بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه.
وقال علي ﵁: من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض.
ولصالح اللخمي (شعر):
تعلّم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التّعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلّة الحسناء عند التكلم
ودخل عبد الله بن مسلم الهذلي على المهدي في القراءة فأخذ عشرة آلاف درهم، ثم دخل في الرماة، فأخذ عشرة آلاف درهم، ثم دخل في المغنين فأخذ كذلك، ثم دخل في القصاص فأخذ كذلك، فقال المهدي: لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك.
وملّ جماعة من الحكماء مجالسة رجل فتواروا عنه في بيت فرقي السطح، وجعل يستمع من كوة، حتى وقع عليه الثلج، فصبر، فشكر الله ذلك، فجعله إمام الحكماء لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه.
وشكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ، فقال له: استعن على الحفظ بترك المعاصي، فأنشأ يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك أنّ حفظ العلم فضل ... وفضل الله لا يؤتى لعاصي «١»
ووجد في بعض الآثار عن بعضهم أنه قال: إذا أردت أن تكون أحفظ الناس فقل عند رفع الكتاب أو المصحف أو ابتداء القراءة في كل شيء أردت، بسم الله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الآبدين، ودهر الداهرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قيل: وإذا أردت أن لا تنسى حرفا فقل قبل القراءة:
اللهم افتح علينا حكمتك، وانشر علينا رحمتك يا ذا الجلال والإكرام. وإذا أردت أن ترزق الحفظ فقل خلف كل صلاة مكتوبة: آمنت بالله الواحد الأحد الحق لا شريك له وكفرت بما سواه.
ومن فوائد سيدي الشيخ صالح شهاب الدين أحمد بن موسى بن عجيل رحمه الله تعالى في الحفظ: يقرأ في كل يوم عشر مرات فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وَعِلْمًا
«٢» إلى قوله تعالى: وَكُنَّا فاعِلِينَ
«٣» يا حي يا قيوم يا رب موسى وهارون، ويا رب إبراهيم، ويا رب محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام، ألزمني الفهم وارزقني العلم والحكمة والعقل، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وعن أبي يوسف قال: مات لي ولد فأمرت من يتولى دفنه ولم أدع مجلس أبي حنيفة خوفا أن يفوتني منه يوم.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري حتى كان يقال: إن حديثا لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.
وقال البخاري رحمه الله تعالى: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وقال ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
وقال مجاهد: أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلّمه، فما برحنا حتى تعلّمنا منه، وكان يقال: الليث بن سعد رحمه الله تعالى ذهب علمه كله بموته، ولهذا قال الشافعي لما قدم مصر بعد موته: والله لأنت أعلم من مالك وإنما أصحابك ضيعوك، وقال الليث بن سعد: ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس.
ويقال: إذا سئل العالم فلا تجب أنت، فإن ذلك استخفاف بالسائل والمسؤول، وقالوا: من خدم المحابر خدمته المنابر.
(شعر):
لا تدّخر غير العلو ... م فإنّها نعم الذّخائر
فالمرء لو ربح البقا ... ء مع الجهالة كان خاسر
1 / 29