تفعلا ما أمرتكما به؟» فقال: «اعترضنا ملكان فطرحانا في الخافقين» .
وقال النخعي: «كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه البلاء» . وكان الرجل يضع الصدقة في يد الفقير ويتمثل قائما بين يديه ويسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل، وقال رسول الله ﷺ:
«الصدقة تسد سبعين بابا من الشر» . وعنه ﷺ قال: «ردوا صدمة البلاء ولو بمثل رأس الطائر من الطعام» . وروي عنه ﷺ أنه قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» «١» . وقال عيسى صلوات الله وسلامه عليه: «من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت «٢» سبعة أيام» . وكان نبينا محمد ﷺ يناول المسكين بيده، وعنه ﷺ: «ما من مسلم يكسو مسلما ثوبا إلا كان في حفظ الله ما كانت عليه منه رقعة» .
وقال عبد العزيز بن عمير: «الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه» .
وعن الربيع بن خيثم أنه خرج في ليلة شاتية وعليه برنس خز «٣»، فرأى سائلا فأعطاه إياه، وتلا قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
«٤» . وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن سوء الخلق شؤم وحسن الملكة نماء، والصدقة تدفع ميتة السوء» .
وقال يحيى بن معاذ: «ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة»، وعن عمر ﵁: «أن الأعمال تباهت فقالت الصدقة: أنا أفضلكن» .
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:
«تداركوا الهموم والغموم بالصدقات يدفع الله ضركم وينصركم على عدوكم»، وعن عبيد بن عمير قال: «يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، فمن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله» .
وقال الشعبي: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه» .
وكان الحسن بن صالح إذا جاءه سائل، فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن عنده من ذلك شيء أعطاه دهنا أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن عنده شيء أعطاه كحلا أو أخرج إبرة وخيطا فرقع بهما ثوب السائل.
ووجّه رجل ابنه في تجارة فمضت أشهر ولم يقع له على خبر، فتصدق برغيفين وأرخ ذلك اليوم، فلما كان بعد سنة رجع ابنه سالما رابحا، فسأله أبوه: هل أصابك في سفرك بلاء؟ قال: نعم غرقت السفينة بنا في وسط البحر، وغرقت في جملة الناس، وإذا بشابين أخذاني فطرحاني على الشط، وقالا لي: قل لوالدك هذا برغيفين فكيف لو تصدقت بأكثر من ذلك؟! وقال علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه: «إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه» «٥» .
لله در القائل حيث قال:
يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقى الذي يذهب
وحكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة، فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت به امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها، وكانت ليلة شاتية فلم يلتفت إليها، وأقبل على عبادته، فولت المرأة، فنظر إليها، فأعجبته فملكت قلبه وسلبت لبه، فترك العبادة وتبعها وقال: إلى أين؟ فقالت:
إلى حيث أريد. فقال: هيهات صار المراد مريدا والأحرار عبيدا. ثم جذبها فأدخلها مكانه، فأقامت عنده سبعة أيام، فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة، وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام، فبكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قالت له: يا هذا والله أنت ما عصيت الله مع غيري، وأنا ما عصيت الله مع غيرك، وإني أرى في وجهك أثر الصلاح، فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني. قال فخرج هائما على وجهه. فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان، وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة، فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز، فمد ذلك الرجل العاصي يده، فأخذ رغيفا، فبقي منهم رجلا لم يأخذ شيئا، فقال: أين رغيفي؟ فقال الغلام: قد فرقت عليكم العشرة. فقال: أبيت طاويا،
1 / 16