كتاب المسترشد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأقطار، الذي لم تهجم عليه العقول بفكرها، ولا الفكر بمحالها ولا الألباب بتدبيرها، الذي لم ينفصل من المخلوقين فيكون منهم بعيدا، ولم يتصل بهم فيكون لهم مخالطا.
إن سأل سائل ذو حيرة عن قول الله عز وجل :{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]. وتوهم أن الله تبارك وتعالى ارتفع في مكان دون الأماكن !! وعاب من قال: إن الله بكل مكان، وقال: أيصعد من الله إلى الله !! إذ قال إنه في السماء وفي الأرض.
فجوابنا في ذلك أن الله تبارك وتعالى في الأماكن كلها، مدبر لها حافظ قائم عليها، لم تحوه ولم تحط به، ولا نقول يصعد منه إليه، فنصفه بالغاية والتحديد، وأنه سبحانه في مكان دون مكان، ولكنا نقول: إن الله تبارك وتعالى خلق ملائكته، وتعبدهم بما شاء، فكلف بعضهم نقلة الأخبار من السماء إلى الأرض، ونقلة الأخبار من الأرض إلى السماء، وأنه خلق السماء فأسكنها ملائكته لعبادته بعضهم ينسخ أعمال الآدميين، ووكل بعضهم رقيبا وحافظا على الملائكة التي وكلت بنسخ أعمال الآدميين، وكذلك قالت الملائكة صلوات الله عليهم :{وما منا إلا له مقام معلوم} [الصافات: 164]. أي: ما وكلوا به من صنوف التعبد، وقوله :{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}. معناه في الآية الأخرى، مثل قول إبراهيم الخليل عليه السلام :{إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصفات: 99]. ولم يبرح الأرض في حال ذهابه إلى ربه، وقد كان الله معه.
وقد قال لكليمه موسى وأخيه هارون صلى الله عليهما :{إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. وذهاب إبراهيم صلى الله عليه إلى ربه، في الحالة التي ربه معه فيها، وإنما معناه في ذهابه إلى ربه، توجهه إليه بعبادته، وتشاغله عما سواه.
পৃষ্ঠা ২৯৩