إن التاريخ يشمل جميع أخبار الماضي على أنواعها وفروعها، وإنه لا بد من الالتفاف إلى الحياة الماضية من جميع نواحيها كي نحسن الإيضاح والتعليل. (2)
وجوب التضلع من الفلسفة والعلوم الاجتماعية والجغرافية للاستبصار بنورها، والتذرع بوسائلها واستنتاجاتها في فهم الماضي وإيضاحه. فلا بد للمؤرخ من فهم العقل البشري فهما وافيا كافيا، وعليه أن يتعرف إلى المحيط الذي عاش أو يعيش فيه الإنسان من وجهتيه الجغرافية والمادية.
ويجدر بالمؤرخ، بعد هذا القدر من الاستعداد؛ أي بعد أن يكون قد درس الفلسفة على رجالها، وتمكن من العلوم الاجتماعية على أنواعها ومنها علم النفس، يجدر به أن ينسج على منوال علماء الطبيعة مرة أخرى، فيتذرع بطريقتهم في فهم ما يجهلون، ويبدأ عمله بفرض يفترضه. ثم يمتحن هذا الفرض على ضوء الحقائق بين يديه، فإن أحسن التعليل وتناصرت حقائق الماضي على تأييد فرضه اطمأن عقله وأعلن رأيه، وإلا تراجع وافترض فرضا آخر، وهلم جرا.
هذه هي طريقة علماء الطبيعة في البحث عن النواميس وما شاكلها من النظريات العامة في علومهم، فإنهم يبدءون بفرض قد يصح وقد لا يصح. قال أدوارد لانكستر : إن الطبيعة لا تلبي نداء لطالب بحث من تلقاء نفسها، بل لا بد له من أن يوجه إليها أسئلة معينة محدودة تتضمن الجواب الذي يريده منها.
1
وقال دارون بالمعنى نفسه ما محصله: كانوا يقولون منذ عهد غير بعيد إن على علماء طبقات الأرض أن يشاهدوا ويدونوا ملاحظاتهم دون أن يكون في نفوسهم أي غرض أو فرض. كأن يعتمد أحدهم إلى حضرة، فيحصي حصاها ويصف حصاها ويصف ألوانها، ومن السخف أن لا يرى العلماء أن شيئا مثل هذا هو ناقص من أساسه، وأنه لا بد أن يكون رائد الباحث نظرية يريد التثبت منها أو العدول عنها.
2
وزعم هكسلي أن تقدم العلوم الطبيعية لم يتأت له أن يصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل فرض النظريات، سواء أكانت تقوم على أسس متينة أو ضعيفة، وليس من اللازم أن يؤدي البحث إلى دعم هذه النظريات. فكم من محاولة أدت إلى نقض النظرية من أساسها.
3
وقد يقول المؤرخ: ولكن التاريخ شيء والعلوم الطبيعية شيء آخر. فعلماء الطبيعية يبحثون في المادة؛ والمادة حيادية. أما المؤرخ، فإنه يبحث عن أمور حيوية قد لا تنفصل عن العاطفة. فعليه إذا أن يبتعد عن الغرض والهوى ويحرر عقله من جميع أنواع المؤثرات.
অজানা পৃষ্ঠা