মুস্তফা নাহাস

কাব্বাস হাফিজ d. 1378 AH
60

মুস্তফা নাহাস

مصطفى النحاس

জনগুলি

ولكن اعتقادنا أنه لن يطول الزمن على الهند حتى تصل إلى الغاية التي توسلت برسالة غاندي إلى بلوغها، وهي «الاستقلال»، فإن أوروبا التي سوف تدميها الحروب والثورات، وتنهك قواها الفاقة والإعياء، وتتلاشى هيبتها القديمة في عين الشرق الذي طالما بغت عليه واستبدت به، لن تستطيع في أرض الشرق وأقطاره وآفاقه مقاومة أماني شعوبه المستيقظة، وأممه الناهضة.

بيد أن هذا إذا هو وقع فلن يكون كبير الخطر ولا عظيم القيمة ولا خطير النتائج - مهما كان من فضله في اشتراك بضعة شعوب جديدة في مجمع الإنسانية وجوقة العالم والمسرح الدولي - إذا لم تصبح رسالة الشرق أو رسالة غاندي أو هذا الروح الآسيوي، هي الأداة لمثل أعلى جديد في الحياة والموت، بل في العمل والتصرف والسياسة وسائر نواحي الحياة بالنسبة للإنسانية جمعاء والعالم بأسره.

نعم، لن يكون لمجرد نجاح الشرق في استغلال ضعف الغرب قيمة ولا خطر إذا لم تتحقق هذه الرسالة؛ إذ كل ما سيكون في الأمر يومئذ أن قويا ضعف، وضعيفا قد استحال قويا، وأن الدائرة إنما دارت على الجهاز القديم ذاته، والمبادئ العتيقة نفسها؛ وإنما الخطر الكبير والشأن العظيم هو أن تتغير نظرات الإنسانية إلى الحياة، وتتحول إلى مثل جديدة على ضياء الرسالة الغاندية التي أراد بها غاندي إنقاذ العالم لا الهند وحدها، ونادى بها كمبدأ عام قد حان للإنسانية كافة اعتناقه.

لقد أصبحت القوة المادية طاغية سائدة متفوقة، وقد هبت ريحها العاتية تريد أن تذرو حصاد الحضارة وتبدده تبديدا، ولم تثر هذه الزوابع والعواصف فجأة أو لوقتها وساعتها، ولكنها نتيجة اجتماع أجيال عديدة من زهو الأمم بذاتها، وفخار الشعوب بأنفسها، ذلك الزهو الذي غذاه روح الثورة الفرنسية الكبرى ووثنيتها الجديدة للمبادئ الخيالية، بل نتيجة قرون متوالية من الحروب الوحشية والديمقراطيات المزيفة، انتهت إلى هذا القرن «العشرين»، قرن الرأسمالية الموحشة في ميادين الصناعة، قرن الطبقات الممولة الجشعة النهمة القاسية، بل قرن الماديات والاقتصاديات، حيث السلطان العقلي للمادة دون سواها، وكان طبيعيا أن ينتهي ذلك كله إلى هذا النزاع الرهيب والصراع المخيف الذي يوشك أن يحطم أوروبا كل محطم، ويفني قواها كل إفناء.

لقد أصبح كل شعب في أوروبا يريد أن يقتل الآخر باسم المبادئ ذاتها والدوافع نفسها التي تخفي في ثناياها غرائز قابيل قاتل أخيه، وأضحى الكل سواء منهم النازيون والفاشيون والبلاشفة، بل سواء منهم الطبقات المظلومة والطبقات الظالمة، يدعون أن لهم الحق في استخدام «القوة»، بينما هم يأبون على غيرهم هذا الحق المزعوم.

منذ نصف قرن مضى كانت القوة هي التي تسود الحق، فأصبح الأمر اليوم أسوأ وأضل سبيلا، وأصبحت القوة هي الحق! بل لقد انقضت القوة على الحق فأكلته!

وليس في أوروبا ملاذ من هذه الحال ولا أمل في إصلاحها ولا رجاء ولا بريق ضياء، حتى الدين نفسه لم يعد له على النفوس من سلطان، فإن أهله قد راحوا يضعون نصحهم وموعظتهم في لفائف وأغشية، أو في جرعات مخففة؛ لكيلا يغضبوا «القوة» ولا يستهدفوا لعداوة السلطان، بل إن أهل الدين أنفسهم والقوامين عليه لا يضعون المثل ولا هم القدوة الحسنة، بينما يتحدث أنصار السلام أوهى الحديث عنه، حديث قوم عن شيء لم يعودوا مؤمنين به، إذ لا يدلل على الإيمان غير العمل والجهاد والغيرة الصادقة.

هذه هي رسالة الهند، كما قال غاندي، وجوهر رسالتها هو «التضحية بالذات»؛ إذ هو في ذلك يقول: «أرجو أن ينمو هذا الروح، روح التضحية، كما أرجو أن تزداد أيضا الرغبة في الألم والرضى به، فإن هذا هو الحرية الصميمة، وليس ثم شيء أسمى من ذلك ولا أعلى، حتى الاستقلال السياسي نفسه ... لقد آمن الغرب بالقوة والثروة المادية، ومهما يصح مناديا إلى السلام ونزع السلاح، فإن وحشيته ستروح أعلى صوتا وأشد صياحا، وإنما نحن الضعفاء المساكين في الشرق هم الذين ينبغي أن ينقذوا العالم من هذا الجنوح المتأصل الرهيب.»

هذه هي رسالة غاندي، وقد تكون بطيئة المسرى، ولكنها مع ذلك قد تحركت في الشرق، ولا بد من أن تصل إلى غايتها في يوم من الأيام. •••

في سنة 1921 عاد إلى الهند رجل كان يطوف أوروبا وقد لبث أعواما طوالا لها طائفا، وفي آفاقها متنقلا، يجمع الحكمة، ويجد في التجوال الخبرة بالدنيا، والتجربة للحقائق، ورؤية الحياة في مختلف نواحيها، رجل فيلسوف لم يلبث أن ملأ اسمه سمع الإنسانية، واشتهر ذكره في العالم كله، وهو طاغور أو «رابندرانات طاغور» بكامل اسمه، فإن هذا الشاعر الفيلسوف قد دهش عند مآبه إلى بلاده من التطور العقلي الذي بدا أثره في قومه، وكان قبيل رجعاه قد أبدى قلقه من هذه الناحية في رسالات بعث بها من أوروبا إلى أصحاب له في الهند وأصدقاء.

অজানা পৃষ্ঠা