144

মুস্তফা নাহাস

مصطفى النحاس

জনগুলি

يا لثروت باشا من رجل مسكين! وإن لم يكن قد حان بعد اختبار درجة «الشجاعة وحسن السياسة والصراحة» التي كانت لديه، والتي وصفها سير أوستن تشمبرلن في بعض رسالاته لي وكتبه، ولكن موعد ذلك كان آتيا لا ريب فيه. ولم يكن السرور الذي شعر به وزير الخارجية من توقع إمضاء المعاهدة مدعاة لسرور ثروت باشا، ولا باعثا البتة عليه، وإنما كان عند ثروت حلما مزعجا، وانتظارا للبلاء قبل وقوعه.

ومن تلك اللحظة كان المقدر لتلك الأماني المعسولة التي تجول في وزارة الخارجية البريطانية أن تتلاشى رويدا، وأن يتبدل ذلك السرور ألما وخيبة؛ إذ راح ثروت باشا - بدافع غريزة حب الذات والدفاع عن النفس - يصارع ويجاهد بكل قواه في سبيل تحاشي لقاء الخاتمة المحتمة، والنهاية المنتظرة.

ولشد ما كانت دهشتي في الثامن من شهر فبراير سنة 1928 - أي بعد شهرين تقريبا من عودة ثروت باشا إلى القاهرة - أن أبلغني دولته أنه قد اعتزم عرض مشروع المعاهدة على النحاس باشا وعلى الوزارة في الحال. وهكذا أطلقت أخيرا قذيفة ابتداء الشوط في سباق مرهوب النتيجة، ولن نلبث طويلا حتى نعرف أولا وآخرا مصير المعاهدة والقدر المحتوم الذي ينتظرها. وعلى هذا النبأ اشتد القلق في نفس وزير الخارجية وساورته الهواجس سراعا، فتلقيت في الحال تعليمات منه تقضي بمقابلة الملك ورئيس الوزراء والنحاس باشا بلا إبطاء، وأن أبين لهم، بالتأثير في نفوسهم، خطورة القرار الذي حان أن يتخذوه في أمر هذه المعاهدة.

وكان وزير الخارجية قلقا على الأخص من ناحيتين: أولا من أن رئيس الوزارة - أي ثروت باشا - كان يومئذ يحاول - وهو أمر طبيعي جدا - المناورة بحيث يمكن إلقاء المعاهدة في اليم من شحنة السفينة، مخافة الغرق دون أن يؤدي ذلك إلى استقالته، وثانيا من أن الملك بدلا من أن يرى في ذلك شيئا مخيف العاقبة كان يميل إلى اعتباره عملا لا بأس به.»

هذا ما كان من لورد لويد يومئذ ومبلغ شعوره من ناحية نتيجة تلك المحادثات، والمشروع الذي جاء به ثروت باشا كآخر اجتهاده، وقصارى كفاحه للقضية المصرية وجلاده. فلننظر ماذا كان شعور مصطفى النحاس في ذلك الحين، وكيف قابل ذلك المشروع إذ عرض عليه، وليس أبلغ في بيان ذلك من كلماته هو وعباراته في وصف الموقف، وخوالج صدره من ناحيته، حيث يقول:

ولقد طال الانتظار، وكان ثروت باشا يمهلنا من وقت إلى آخر؛ لأنه كان لا يزال بينه وبين سير أوستن تشمبرلن أخذ ورد في بعض المسائل حتى استولى الضجر على نفوس الكثيرين، وأخصهم محمد محمود باشا، وأحمد خشية باشا الوزيران في وزارة ثروت باشا، فقد كاشفاني بذلك مرارا فكنت أهدئهما، وأهون عليهما الاصطبار حتى ينتهي ثروت باشا من أخذه ورده مع وزير الخارجية البريطانية، حرصا منا على إنجاح المحادثات، وقد عرفتم بعد ذلك السر في هذا الإلحاح من جانب هذين الوزيرين.

وكانت مهمتي شاقة في هذه التهدئة، إلى أن كان يوم 7 فبراير سنة 1928، إذ نبأني ثروت باشا أنه سيطلعني على المحادثات على شرط أن تبقى سرية بيننا، حتى نرى ما سيكون بشأنها؛ فوعدته بذلك، فأرسل إلي المستندات الخاصة بهذه المحادثات في نجع حمادي، اليوم العاشر من ذلك الشهر، خلال الاحتفال الرسمي بوضع الحجر الأساسي لقناطرها.

اطلعت على تلك الأوراق في الأقصر، فهالني ما رأيت! لقد رأيت مشروعات معدلة، انتهت بمشروع كامل صب في صيغته النهائية، وقال عنه سير أوستن تشمبرلن إنه وضع باتفاق الطرفين، كما اشتملت المحادثات على رسالة منه سلمت إلى ثروت باشا في 6 فبراير جاء فيها: «إن الحكومة البريطانية قد قالت كلمتها الأخيرة في هذا الشأن، وإنها لا يمكنها أن تقبل أية مناقشة في نص المعاهدة نفسها، وإنه إذا رفضت الحكومة المصرية هذه التسوية اضطرت الحكومة البريطانية إلى أن تشدد وتدقق فيما احتفظت به في تصريح 28 فبراير من الحقوق.» وختمها برجاء دولته أن يبادر إلى عرض المعاهدة على زملائه، وأن يقوم بتوقيعها في أقرب فرصة.

لقد كانت هذه الرسالة بمثابة إنذار لمصر في حالة الرفض، والظاهر أنها هي التي حملت ثروت باشا على أن يخبرني في اليوم التالي لوصولها بأنه سيطلعني على المحادثات على أن يبقى أمرها بيننا مكتوما.

قلت إن الأمر هالني، وفي الحق لم يكن ذلك المشروع متفقا، لا في أساسه ولا في نصوصه، مع استقلال البلاد وسيادتها ... كما أنه فوق هذا قد أوجدها في حالة خطيرة بسبب «الإنذار» الذي شفع به؛ ولذلك قابلت ثروت باشا في 22 فبراير بعد عودتي من الأقصر، وصارحته بحضور عدلي باشا برأيي في المشروع، ورجوت إليه أن يعمل على إنقاذ البلاد من شره المستطير ... واتفقنا أن نعرض الأمر بصفة سرية أيضا من جانبي على الوفد، ومن جانبه هو على زملائه الوزراء.

অজানা পৃষ্ঠা