118

মুস্তফা নাহাস

مصطفى النحاس

জনগুলি

وفي السادس من شهر مارس استدعت السلطة العسكرية سعدا وصحبه، وأنذرتهم بألا يضعوا الحماية موضع البحث، أو يعوقوا تأليف الوزارة الجديدة، متوعدة إياهم بأشد العقاب العسكري، فهم سعد بالكلام، فأجيب بأن لا مناقشة.

وعاد الوفد إلى مقره فأرسل احتجاجه على تلك المعاملة الشاذة التي لم تراع فيها المجاملة مع وكلاء الأمة التي يتكلمون باسمها، كما أرسل احتجاجا إلى الحكومة البريطانية على تلك التصرفات الجائرة.

ولم يكد يمضي على ذلك الحادث يومان حتى اعتقلت السلطة العسكرية سعد باشا وثلاثة من صحبه في قصر النيل، ومن ثم نفتهم إلى مالطة، فكان ذلك هو الشرارة الكهربائية التي أوقدت نار الثورة في البلاد، ونهض الناس فجأة غضابا ثائرين، مرتخصي الحياة، بذلة المهج، ملاقي المنايا في بسمة الباسمين.

في تلك الأيام كان مصطفى عضوا في الوفد، وإن كان لا يزال موظفا في سلك القضاء، وقد حضر الثورة من مطالعها، واندفع في قلبها شجاعا لا يعرف الخوف، شهما متجلدا لا يحس أقل تردد، مضحيا بكل شيء وإن كان في عنقه أرواح صغار، ونفوس أبرياء، وعشيرة تعتمد عليه.

في تلك الأيام نسي مصطفى مطالب عيشه، وأعباء حياته، وواجبات البيت ومقتضياته، فلم يعد يذكر غير مصر وحقها المقدس، وواجب الدفاع عنها بأغلى الأرواح وأعز الأنفس، تاركا مصيره ومصير الولدان الذين في عنقه إلى الله وحده، هو نعم المولى ونعم النصير.

وفي وسط الثورة ذهب مصطفى النحاس القاضي يشرف مع بعض أصحابه على حركة الإضراب، ويتصل بلجنة الموظفين، وكان يتناول المنشورات السرية التي تطبع يومئذ في القاهرة، فيحملها إلى طنطا في أثوابه، أو خلسا من مراقبيه والموكلين به؛ ليلقي بها إلى لجنة المحامين، وفيها يومئذ الأستاذان عبد السلام فهمي جمعة، ومحمد نجيب الغرابلي؛ لتوزيعها على الناس في سواد الريف وصميم القرى والمدائن، حتى انقلبت طنطا يومئذ مرجلا غاليا، وأتونا صاهرا، وموقدا متأجج النيران.

وفي صدر المظاهرات الرائعة التي كانت تطوف القاهرة ذهب يشترك فيها مع القضاة الأهليين، مرتديا شارة القضاء، رافع الرأس، منتهيا من أمر نفسه، ملقيا بكل روحه وحياته وعاطفته فدى لوطنه، وغذاء لعقيدته، ووقودا لمبادئه.

لقد ظل قلب مصطفى النحاس خلال أيام الثورة خفاقا نابضا، مستحمي الدم في الشرايين، وقد راح ينظم الحركة، ويتعهد الثورة، ويغذي الحماسة بالوقود. وقد تكشف يومئذ بجهاده، وتبدى بوطنيته وحماسته لبلاده، غير عابئ الوظيفة، ولا حافل الراتب، ولا مكترث بمساك الرمق والقوت.

في تلك الأيام الرهيبة كان مصطفى النحاس يعيش في عالم جديد، ويجول في محيط غير مألوف، ويحيا في فلسفة روحية تسخر من كل خطر، وتزدري كل مكروه، وتحتقر كل خطب أو مخافة؛ فقد رأى الشهداء صرعى والوميض على شفاههم، وحياة مصر هتافا يتصعد مع أرواحهم إلى السماء؛ فلم يعد للحياة عنده شأن، ولا للوجود قيمة أو اعتبار.

لقد خلص مصطفى يومئذ بكل نفسه لمصر وحقها، فلم يعد يكرثه مصيره هو وحقه، وغده هو وقوته ورزقه، وإنما كل تفكيره في الثورة ولها، وحرصه على الثورة ونجاحها، وإن تخطفه الموت مع من يتخطفهم من الشهداء، أو مع من فدوا بلادهم بأرواحهم أكرم الفداء.

অজানা পৃষ্ঠা