فظهر الفرق بين سؤال النبي ﷺ والعبد الصالح في حياته بحضوره وبين سؤاله في مماته وغيبته.
ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب فيقل: يا سيدي فلان كأنه يطلب منه إزالة ضرره أو جلب نفعه، كما هو حال النصارى في المسيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم؛ فإذا حصل هذا الشرك نزلت عليهم الشياطين وأغوتهم، وربما خاطبتهم كما كانت تفعل مع أصحاب الأصنام، لا سيما عند سماع المكاء والتصدية؛ فإن الشياطين تنزل عليهم عنده، وقد يصيب أحدهم من الإرغاء والإزباد والصياح المنكر، وتكلمه بما لا يعقله هو ولا الحاضرون، وأمثال ذلك.
وأما «القسم الثالث»: وهو أن يقول: اللهم بجاه فلان عندك، أو ببركة فلان، أو بحرمة فلان عندك، افعل لي كذا وكذا فهذا يفعله كثير من الناس لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: لم يبلغني عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه إلا ما رأيته في «فتاوى العز بن عبد السلام» فإنه أفتى أنه لا يجوز لأحد أن يفعل هذا إلا بالنبي ﷺ إن صح الحديث في النبي ﷺ أو معنى ذلك، وذلك أنه روي عن النبي ﷺ أنه علم بعض أصحابه أن يدعو فيقول: «اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي اللهم شفعه في»، فهذا الحديث استدل به طائفة على التوسل بالنبي ﷺ في حياته ومماته. وليس فيه على فرض صحته أنه دعاه واستغاث به؛ بل فيه أنه سأله بالنبي ﷺ، كما في قوله ﷺ في حديث الممشى إلى الصلاة: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق مُمْشَاي هذا» فالله قد جعل على نفسه حقا فقال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [٤٧/٣٠] .
1 / 20