هذا ويثيبه على عمله، ويرحم هذا ويثيبه على دعائه للميت وتذكره الدار الآخرة، كما علم النبي ﷺ الصحابة الزيارة، وكما كان هو ﷺ يزور.
والمقصود: أن من يأتي إلى القبر أو إلى رجل صالح ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:
إحداها: أن يسأل حاجته، مثل أن يقول: اغفر لي ونحوه، فهذا شرك كما تقدم.
الثانية: أن يطلب منه أن يدعو له لأنه أقرب إلى الإجابة، فهذا مشروع في الحي. وأما الميت فلم يشرع لنا أن نقول له: ادع لنا، ولا اسأل لنا ربك؛ ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في حديث؛ بل في الصحيح: «أن عمر ﵁ استسقى بالعباس» ولم يأت قبر النبي ﷺ بل كانوا إذا جاءوا قبره سلموا عليه، فإذا دعوا استقبلوا القبلة ودعوا الله وحده لا شريك له كما يدعونه في سائر البقاع. وقد ثبت أنه ﷺ نهى عن إتيان قبره، واتخاذه عيدا، ومسجدا في أحاديث كثيرة.
ولهذا قال العلماء: إنه لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز أن ينذر للقبر ولا للمجاورين عنده شيء من الأشياء: لا دراهم، ولا زيت، ولا شمع، ولا حيوان، ولا غير ذلك.
ولم يقل أحد من أئمة المسلمين: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد الموتى مستحبة أو فيها فضيلة، ولا إن الدعاء والصلاة أفضل عند القبور منها عند غيرها؛ بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت (١) أفضل من الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين. وقد شرع الله الصلاة في المساجد دون المشاهد.
_________
(١) يعني النوافل أو بعضها.
1 / 18