وأما داعية الحسين عليه السلام وسفيره الى العراق فكانت لياقته الذاتية ، وتأهله للفضائل ، وتأثره بتلك التربية الصحيحة ، ونشوؤه في ذلك البيت الممنع ، وتخرجه من كلية الخلافة الإلهية قاضية بسيره مع ضوء التعاليم المقدسة ، فأينما يتوجه إلى ناحية من نواحي هذا البيت لا يقع نظره إلا إلى أستاذ في العلم أو مقتدى في الأخلاق أو زعيم في الدين أو بطل في الشجاعة أو إمام في البلاغة أو مقنن في السياسة الآلهية.
فكانت نفس مسلم بن عقيل عليه السلام تهش الى نيل مداهم منذ نعومة الأظفار كما هو طبع المتربى بهذا البيت ، ففي كل حين له نزوع الى مشاكلة كبرائهم ، وهذه قاعدة مطردة ، فإنك تجد ابن العالم يأنف عن أن يعد في أبناء العامة ، وابن الملك يكبر نفسه إلا عن خلائق والده ، وولد الزعيم يترفع عن مشاكلة رعاياه ، فكل منهم يرمي الى ما يرفعه عن غرائز الطبقات الواطئة.
إذا فما ظنك بمسلم بن عقيل عليه السلام الذي هو أول من وقع بصره عليه عمه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وابناه الإمامان إن قاما وإن قعدا (31) صلوات الله عليهما ، ورجالات السؤدد والخطر من آل عبدالمطلب وسمع أخبار الغابرين من أهل بيته في المفاخر والمآثر ، فهل يمكن أن يكون له هوى إلا مع الفضيلة أو نزوعا إلا الى المحامد؟ نعم نشأ مسلم مع العلم ، والتقوى والبطولة ، والهدى ، والحزم ، والحجى ، والرشد كما شاء الله سبحانه حتى أحب لقاءه يوم سعادته بشهادته.
ولقد كان من أهم ما يتلقاه مسلم عليه السلام من أكابر قومه مناوأة البيت الأموي أضداد الفضيلة ، وأعداء الدين ، وحضنة الجاهلية الأولي ، وناشري ألوية الوثنية ، والدعاة الى كل رذيلة بأعمالهم ، وأقوالهم ، ولهذه كانت تعد تلك المباينة من الهاشميين لهم من أسمى مناقبهم الحال كان « داعية السبط الشهيد عليه السلام » وارثا لهذه الظاهرة بأتم ما لها من المعنى.
ومما لا يستسهل العقل قبوله أن يكون ابن عقيل عليه السلام متزلفا الى واحد ممن ناوأ آباءه الأطائب أو مجاملا له فيجر الرذيلة الى قومه وتفوته الشهامة
পৃষ্ঠা ৪৪