غير أننا نستطيع أن نبذل المعونة للموسيقيين الشرقيين ليجتنبوا المناقشات غير المنظمة بما نبث في نفوسهم من طريق البحث والتحليل على النمط الأوروبي، وإني أذكر مثالا لذلك الصوت المعروف بالسيكاه الذي أثار مناقشات حادة وهو الصوت الثالث من ديوان المقام، ويظهر أن الموسيقيين الشرقيين يريدون أن يثبتوا سيكاه وحيدة مطلقة، أو مثلا أعلى للسيكاه، وقد قال لهم العلماء الغربيون حللوا وميزوا لأن سيكاكم يمكن تغييرها مع المقامات، حتى أن المقامات نفسها تختلف باختلاف البلدان، ولقد وجدنا بعد التجارب أن مقام الراست والسيكاه على حسب العزف عند كبار المغنيين مرتفعين قليلا في سوريا عن مثيلهما في مصر، وهما في تركيا أكثر ارتفاعا منهما في سوريا، وعلى العموم قد تحققنا أن في مصر استعدادا فطريا لدى المغنين والعازفين للاقتراب من الصواب. ا.ه.
وقد جاء في خطبة حضرة السيد حسن حسني عبد الوهاب ما يأتي:
وأكبر مزية سيخلدها لك تاريخ الفنون الجميلة إلى دهر الداهرين القرار الإجماعي الصادر من أعلى منبر في هذا المؤتمر بحماية الألحان العربية من العجم، تلك التي كادت تبتلعها وتقضي عليها القضاء الأخير، وما حماية الألحان إلا حفاظ لروح القوم الخالدة. وفيك يا مصر يرجى الحفاظ، وها نحن أولاء من خلف أعوان وأنصار.
وقبل أن نختتم هذه الكلمة نرى من واجب الضيافة الكريمة التي حبينا بها في وادي النيل من جلالة الملك المعظم وحكومته وشعبه أن نرفع لهم جزيل الامتنان ووافر الثناء على ما لاقيناه من الحفاوة والإكرام. وكذا للنتائج الغالية التي سنعود بها إلى أقطارنا رافعي الرؤوس ونفوسنا ممتلئة إعجابا بأننا أعدنا إلى الشرق - على يد مصر - ميزته الفنية وألحانه الشجية وتراثه القديم.
فدومي يا مصر لنهضة الشرق وذويه رافلة في مطارف العز والبهاء للحضارة والجمال والخلود. ا.ه.
وقال جناب الدكتور هنري فارمر:
واسمحوا لي أن أقول كلمة في الختام، لما كنت قد وقفت حياتي على خدمة الموسيقى العربية، أعني القديمة منها، فإن هذا المؤتمر كان سبب مسرة خاصة لي إذ قد جعل الأماجد من رجال الثقافة العربية في العصور الغابرة يحيون مرة أخرى، وإن سماع الموسيقى الرائعة التي وضعها أسلافنا الموسيقيون الذين قضيت سنين عدة في الكتابة عنهم أدخل على قلبي سرورا عظيما، وإني بالرغم من صعوبات كثيرة أشعر عن يقين أن هذا المؤتمر سينتج ثمارا دانية القطوف. نعم لقد كان هناك تضارب في الآراء، ولكنا نستطيع مع شيء من الصبر والتسامح أن نجد طريقا أمينا للمستقبل.
وهناك أمر واحد لا ريب فيه وهو أن الموسيقى العربية لا تستطيع أن تقف جامدة، فالمدينة العصرية مع تياراتها الجارفة التي لا تعوقها العقبات ستدفع الموسيقى العربية إلى التقدم إلى الأمام، وعلينا متى ظهرت بوادر هذا التقدم أن نحرص على أن تسلك طريقا بحفظ روحها الوطنية وطابعها؛ لأن فقدانها ذلك الميراث المجيد يعد كارثة عظيمة.
وعلينا أن نمنع وقوع هذا ويجب أن تعنى مصر بالمحافظة على ذلك المجد. فهي التي أنبتت الحسين بن علي المغربي والمسبحي في القرن الخامس بعد الهجرة، وقد وضع كل من هذين المؤلفين كتبا على طراز كتاب الأغاني العظيم لمؤلفه أبي الفرج. ومصر هي التي أهدت إلى العالم الإسلامي الفلكي الشهير ابن يونس الذي وضع أيضا كتابا خاصا في تمجيد العود بعنوان: «العقود والسعود» ومن أرض النيل المبارك خرج ابن الهتيم الذي وضع الشروح الوافية والنقد الصحيح لنظريات إقليدس الموسيقية. وفي هذه البلاد عاش أيضا أبو الصلت أمية. وقد كانت رسالته في الموسيقى على جانب من الخطورة؛ إذ ورد ذكرها واستشهد بها في الكتب العبرية. وقد كان البياسي المعدود من أخصاء الفاتح العظيم صلاح الدين موسيقيا بلغ شيئا من الإجادة، وعلم الدين قيصر الذي كان من أبناء مصر كان أشهر أهل عصره في نظرياته الموسيقية. ثم ابن الطحان وهو مصري آخر وضع مؤلفا في الموسيقى ربما كان أهم ما وضع من نوعه؛ لأنه يبحث فيه في تاريخ الموسيقى ونظرياتها جنبا إلى جنب، وجميع هؤلاء عاشوا قبل القرن السابع للهجرة.
واليوم وذكريات الأسابيع الثلاثة الماضية لا تزال ماثلة بجمالها أمام أعيننا، نشعر أن مصر ستتخذ مرة أخرى مركزا ساميا ممتازا في طليعة البلدان في عالم الفنون الإسلامية، فترسم الطريق في هذا الفن الشريف المجيد لغيرها من البلدان العربية وتنقش اسمها على تاريخ الموسيقى في الأقطار الشرقية. ا.ه.
অজানা পৃষ্ঠা