اجعل همومك واحدا
وتخل عن كل الهموم
فعساك أن تحظى بما
يغنيك عن كل العلوم
لأن من كانت عنايته بتدبير جسمه، لا بتدبير روحه التي هي مناط شرفه وكرمه. فقد تجاوز حد العرفان. فإن المرء بالروح لا بالجسم إنسان.
مارست هذا الفن علما وعملا على أكبر أساتذته قديما. واتخذته نديما، وبلوت فيه الألحان والأوزان. وميزت منه ما شان وزان، فألفيت أن أكثر الكتب الحديثة لا تشفي غلة. ولا تبري علة؛ ولذا وجهت الهمة نحو التكلم فيه، بما عسى أن أكون من جملة واصفيه، مع ما رميت به من اختلال أحوالي. وتعسر مطالبي وآمالي. واقتسام أمري بين مثبط للهمة وحاسد. ومنكر للفضل وجاحد. وعدو في قلبه مرض. أو معاند لا يستقيم له غرض. فيجرحونني بظهر الغيب، وأنا غير شاهد. ويحرفون وجه كلامي إلى جهة غرضهم الفاسد. سيما وقد استقبلت زماني وهذا الفن قد خبت ناره. وزوت أزهاره. ودجت مطالعه. وخوى طالعه. ولم يبق بيد أهله إلا صبابة. والخطأ فيه أكثر من الإصابة. ورغباتهم في معرفة قواعد الفن قليلة. والبراعة فيه لا تعد من الفضيلة. وقد نفد المجيدون والعلماء. وكثر المدعون والجهلاء، فاستعذت بالله من العجز والكسل، واستعنت به في بلوغ الأمل. ووضعت هذا الكتاب القريب المنال. العزيز المثال. ولم آل جهدا فيما أودعته فيه من التوضيح والإفصاح عما يلزمه من علم النغم والتصوير والأوزان الصحاح. مع تبيين لذلك أتم بيان، حتى كأنه يشاهد بالعيان. وأضفت إليه المختار من تلاحيني - وتلاحين حضرة أستاذي الأول الذي سعدت بوجوده الأيام. وتزينت ببقائه الأعوام، العالم الجليل، والموسيقار النبيل. (الشيخ أحمد أبو خليل) وأكثرها من نغمات نادرة الوجود في هذه الأمصار. (كالنهاوني والبسته نكار. والعجم والبوسليك والحجاز كار.) فمن حفظها على أصلها. باهتزازاتها المرصعة بها. وتصور مسافات الأوزان. فلا شك أنه فائز على الأقران. وقلتها لا تزري بقيمتها فهي كالنقطة من العطر، ولو صغر حجمها ولكنها محصل كثير من الزهر. ولقد زينت صفحاته أيضا بصور أشهر مشهوري هذا العصر مع المختار من محاسن صناعتهم. وبدائع بضاعتهم وسؤلي من المولى القدير. أن يترتب على هذا الكتاب الذي هو (كالنجم) صغير كبير. النفع المأمول. وأن يحظى لدى الموسيقيين خصوصا والطلاب عموما بحسن القبول. وهو أكرم من أن يسأل في مثل هذه الطلبة ولا يجيب. وسائل الله لا يخيب.
مقدمة
الموسيقى هو علم يبحث فيه عن أحوال النغم من جهة تأليفه اللذيذ والنافر - وعن أحوال الأزمة المتخللة بين النغمات من جهة الطول والقصر. فعلم أنه يتم بجزئين: الأول علم التأليف وهو اللحن - والثاني علم الإيقاع وهو المسمى أيضا بالأصول. (فالنغمات) جمع نغمة بالتحريك وهي (لغة) الصوت الساذج الخالي من الحروف - و(اصطلاحا) الصوت المترنم به. (واللحن) بالسكون (لغة) صوت من الأصوات المصوغة و(اصطلاحا) ما ركب من نغمات بعضها يعلو أو يسفل عن بعض على نسب معلومة - (والنغم للحن كالأحرف للكلام) - ثم يرتب ترتيبا موزونا - أي أنه يصاغ على أحد الأوزان التي سنذكرها بعد. ويقرن بشيء من الشعر أو غيره من سائر الفنون السبعة التي هي - القريض - والدويت - والموالي - والموشح - والزجل - والقومة - وكان وكان. وهذا التعريف جامع مانع؛ حيث دخل فيه زيادة على الموشحات والأدوار البشراوات والبستات والقدود والشرقيات، إذ هي مقرونة بكلام موزون على لغة من ربطها ولحنها من الترك أو الفرس أو غيرهما، فهي من جملة الألحان وداخلة في التعريف - وخرج بقيد التركيب النغمات الفردة - وبقيد الترتيب الموزون المقامات أصولا وفروعا؛ لأن ترتيبها غير موزون، فلا يسمى شيء مما ذكر لحنا.
والصوت هو ما يصدر عن كل حركة اهتزازية لجسم رنان تحدث في الهواء ارتجاجا يسير فيه إلى بعد ما. (وسنتكلم عن تولد الصوت وعن الأجهزة المعدة لعد الاهتزازات الصوتية في باب خاص به إن شاء الله).
والأصول هي عبارة عن موازين للألحان لعدم اختلالها واختلال المغنيين عندما ينشدون معا حتى لا يسبق أحدهم الآخر ولا يتأخر عنه بل يكون مجموعهم كواحد.
অজানা পৃষ্ঠা