والحرية! والعدل! ماذا تفعل بالحرية والعدل اللذين هما من أقدس معاني الإنسانية؟ كيف تسوي بين العظيم والحقير؟ بين العبقري الذي تقتله هذه المساواة والأبله الذي تفسده، ألا تذكر كلمة سكينة قبل موتها: «إنني أفاخر بأن أموت شنقا موت الرجال»؟ كذلك فهمت سكينة المساواة! وكم بين النساء والرجال من سكينة! وكم بين الناس من جان لا عن حاجة، بل لأن الجناية غريزة فيه! بل كم بين الفقراء من حكيم قنوع لا يطلب أكثر من سترة الحال! إن جرمكم الأكبر أيها الاشتراكيون في تجاههم الطبيعة البشرية، وحسبان الإنسانية محصورة في الطبقة العاملة. تحسبون أنفسكم منزهين عن وراثة بني الإنسان وتريدون بتلك المساواة الآلية أن تضمنوا القوت للجميع بكمية متعادلة لتقتلوا ما هو فوق القوت؛ لتقتلوا التفوق عن طريق المباراة التي كانت وستظل دواما الحاث الأعظم. ألا إن السر في البذرة لا في الأرض التي تحرث وتهيأ، وذكاء الناس وقوتهم نار كامنة تحتاج إلى النضال، تحتاج إلى احتكاك الحديد والصوان لتقدح شرارتها. وهل كانت تستطيع العمل ملايين الأيدي لولا العبقرية الواحدة التي كشفت سرا من أسرار الطبيعة؟ فكيف تريدون أن تسووا بين ذلك النور الإلهي في فكر، وبين عمل يد عملا ميكانيكيا لا إجهاد للعقل فيه؟ بل كيف تزعمون أن الرخاء ينمي النبوغ بينا نرى ذوي النبوغ غالبا من الفقراء والمعوزين؟
عوني (يبتسم بطيئا) :
يفكهني أنك تناقض نفسك، وأنك أنت المعارض للاشتراكية من أعظم المعترفين بضرورتها.
عارف :
أنا أعارض الاشتراكية؟! إني من أول القائلين بإنصاف العمال ووجوب الإصلاح، وأن للاشتراكية المعقولة دورا لا بد أن تمثله، ولكني أقول باستحالة المساواة التي لا ينتج عنها سوى الظلم والتهويش، وطعن الحرية طعنة جديدة. الناس في الحياة متساهمون، ولكنهم غير متساوين في براعة التصرف بأسهمهم. والضغط إلى درجة معينة على القاصر والجاهل والشرير خير للمضغوط عليه ولمحيطه جميعا. أما الضغط على الرفيع الحر الكبير فجناية عليه وعلى محيطه. في العالم اليوم آلام وفواجع لا تطاق وستؤاسى على وجه ما، ولكني أقول إن الاشتراكية لن تنجح أكثر من النظم السابقة؛ لأنها نسخة جديدة منها كما أن جميع المعاجم الجديدة نسخ عن المعاجم القديمة. لن تنجح أكثر من النظم السابقة وستأتينا بويلات مستحدثة. ومما ينذر بتلك الويلات اختلاف زعماء الاشتراكية فيما بينهم؛ لأنه أيا كانت النظم والهيئات الحاكمة فما يجب الالتفات إليه في تنظيم المجتمع هو الفروق القائمة بين الناس، لا وجوه التشابه بينهم. وهل يصير الصغار أقل صغرا إذ انكمش الكبار إلى مستواهم؟
عوني :
نحن لا ننكر أن بين الناس فروقا وأن كلا من الناس ميسر لعمل ما، ولكننا نريد أن نقلل من جور الطبيعة ونسهل الحياة للجميع، نريد إصلاح ظلم الصدف جهد المستطاع، نريد معالجة الأمراض البشرية ما أمكن، ونريد إدخال الجميع ميادين الرقي والنور لتنال الإنسانية سعادة ما فتئت تجري وراءها منذ فجر التاريخ.
عارف (يبتسم مشفقا) :
ما أقرب تحول الأرض إلى سماء عند الإصغاء إلى إخواننا الاشتراكيين! وما أسهل حذف المرض والانفعال والموت! قل لي يا عوني، هل تلاشون من قلب الإنسان الشوق الملهب إلى الحب والكره القتال المدمر الذي لا حد له؟
بلانش (لأنتوانت بالفرنساوية) :
অজানা পৃষ্ঠা