المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حكم بالفناء والزوال على جميع عباده وأنفذ حكمه وأمره فيهم على وفق حكمته ومراده ووعد الصابرين على قضائه وقدره جميل ثوابه وإسعاده وأوعد الساخطين جزيل نكاله وشديد وباله في معاده ولذذ قلوب العارفين بتدبيره فبهجت نفوسهم في تسليمها بقياده هذا مع عجز كل منهم عن دفاع ما أمضاه وإن تمادى الجاهل في عناده فإياه سبحانه أحمد على كل حال وأسأله الإمداد بتوفيقه وإرشاده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أستدفع بها الأهوال في ضيق المحشر ووهاده وأشهد أن محمدا (ص) عبده ورسوله أفضل من بشر وحذر وأعلم من رضي بالقضاء وصبر وخدم به سلطان معاده (صلى الله عليه وعلى آله) الأخيار-
পৃষ্ঠা ২
أعظم الخلائق بلاء وأشدهم عناء وأسدهم تسليما ورضاء صلاة دائمة واصلة إلى كل واحد بانفراده وبعد فلما كان الموت هو الحادث العظيم والأمر الذي هو على تفريق الأحبة مقيم وكان فراق المحبوب يعد من أعظم المصائب حتى كاد يزيغ له قلب ذي العقل والموسوم بالحدس الصائب خصوصا ومن أعظم الأحباب الولد الذي هو مهجة الألباب ولهذا رتب على فراقه جزيل الثواب ووعد أبواه شفاعته فيهما يوم المآب فلذلك جمعت في هذه الرسالة جملة من آثار النبوية وأحوال أهل الكلمات العلية ونبذة من التنبيهات الجلية ما ينجلي به إن شاء الله الصداء عن قلوب المحزونين وتنكشف به الغمة عن المكروبين بل تبتهج به نفوس العارفين ويستيقظ من اعتبره من سنة الغافلين وسميتها مسكنة الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد ورتبتها على مقدمة وأبواب وخاتمة- أما المقدمة فاعلم أنه ثبت أن العقل هو الآلة التي بها عرف الله [الإله] سبحانه وحصل به تصديق الرسل والتزام الشرائع وأنه المحرص على طلب الفضائل والمخوف من الاتصاف بالرذائل فهو مدبر أمور الدارين وسبب لحصول
পৃষ্ঠা ৩
الرئاستين ومثله كالنور في الظلمة فقد يقل عند قوم فيكون كعين الأعمى الأعشى ويزيد عند آخرين فيكون كالنهار في وقت الضحى فينبغي لمن رزق العقل أن لا يخالفه فيما يراه ولا يخلد إلى متابعة غفلته وهواه بل يجعله حاكما له وعليه ويراجعه فيما يرشده إليه فيكشف [فينكشف] له حينئذ ما يوجب الرضا بقضاء الله تعالى سيما فيما نزل به من هذا الفراق من وجوه كثيرة نذكر بعضها الأول أنك إذا نظرت إلى عدل الله وحكمته وتمام فضله ورحمته وكمال عنايته ببريته إذ أخرجهم من العدم إلى الوجود وأسبغ عليهم جلائل النعم وأيدهم بالألطاف وأمدهم بجزيل المعونة والإسعاف كل ذلك ليأخذوا حظهم من السعادة الأبدية والكرامة السرمدية لا لحاجة منه إليهم ولا لاعتماد في شيء من أمره عليهم لأنه الغني المطلق والجواد المحقق وكلفهم [تبارك وتعالى] بالتكاليف الشاقة والأعمال النقلية ليأخذوا منه حظا وأملا وليبلوهم أيهم أحسن عملا وما فعل ذلك إلا لغاية منفعتهم وتمام مصلحتهم وأرسل عليهم الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل عليهم الكتب وأودعها ما فيه بلاغ للعالمين وتحقيق هذا المرام [المقام] مستوفى في باب العدل
পৃষ্ঠা ৪
من علم الكلام وإذا كانت أفعاله تعالى وتقدس كلها لمصلحتهم وما فيه تمام شرفهم والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات كقوله تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا و قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم و أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة و الله يتوفى الأنفس حين موتها إلى غير ذلك من الآيات فلو لا أن في ذلك غاية المصلحة ونهاية الفائدة للعبد الضعيف الغافل عن مصلحته التائه في حيرة جهله وغفلته لما فعله الله تعالى به لما قد عرفت من أنه أرحم الراحمين وأجود الأجودين فإن حدثتك نفسك بخلاف ذلك فاعلم أنه الشرك الخفي وإن أيقنته ولم تطمئن نفسك وتسكن روعتك فهو الحمق الجلي وإنما نشأ ذلك من الغفلة عن حكمة الله تعالى في بريته وحسن قضائه في خليقته حتى إن العبد ليبتهل ويدعو الله تعالى أن يرحمه ويجيب دعاءه في أمثال ذلك فيقول الله تعالى لملائكته كيف أرحمه من شيء به أرحمه فتدبر رحمك الله تعالى في هذه الكلمات الإلهية تكفيك في هذا الباب إن شاء الله تعالى الثاني أنه إذا نظرت إلى أحوال الرسل (ع) وصدقتهم فيما أخبروا به من الأمور الدنيوية والأخروية وعدوا به
পৃষ্ঠা ৫
من السعادة الدائمة الأبدية وعلمت أنهم إنما أتوا بما أتوا به عن الله جل جلاله واعتقدت أن قولهم معصوم عن الخطإ محفوظ عن الغلط والهوى وسمعت ما وعدوا به من الثواب على أي نوع من أنواع المصائب كما ستراه وتسمعه سهل عليك موقعه وعلمت أن لك في ذلك غاية الفائدة وتمام السعادة الدائمة وأنك قد أعددت لنفسك كنزا من الكنوز مذخورا بل حرزا ومعقلا وجنة من العذاب الأليم والعقاب العظيم الذي لا يطيقه بشر ولا يقوى به أحد مع أن وليك [ولدك] شاركك في هذه السعادة فقد فزت أنت وهو فلا ينبغي أن تجزع ومثل لنفسك أنه لو وهمك أمر عظيم أو وثب عليك سبع أو حية أو هجمت عليك نار مضرمة وكان عندك أعز أولادك وأحبهم إلى نفسك وبحضرتك نبي من الأنبياء لا ترتاب في صدقه وأخبرك أنك إذا افتديت بولدك سلمت أنت وولدك وإن لم تفعل عطبت والحال أنك لا تعلم هل يعطب ولدك أو يسلم أيشك العاقل أن الافتداء بالولد الذي يتحقق معه سلامة الولد ويرجى معه أيضا سلامة الوالد هو عين المصلحة وأن عدم ذلك والتعرض لعطب الأب والولد هو عين المفسدة-
পৃষ্ঠা ৬
بل ربما قدم كثير من الناس نفسه على ولده وافتدى به وإن تيقن عطب الولد كما اتفق ذلك في المفاوز والمخمصة هذا كله وإن كان في نار وعطب ينتفي [ينقضي] ألمه في ساعة واحدة وربما ينتقل بعده إلى الراحة والجنة فما ظنك بألم يبقى أبد الآباد ويمكث سنين [سنوات]- وإن يوما عند ربك منها- كألف سنة مما تعدون ولو يراها أحدنا [ولو رآها راء] وأشرف عليها لود أن يفتدي ببنيه وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى. تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى ومن هنا جاء
ما ورد عن النبي (ص) أنه قال لعثمان بن مظعون رضي الله عنه وقد مات ولده فاشتد حزنه وجزعه عليه يا ابن مظعون إن للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب @HAD@ أفما [أفلا] يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك [إلى جنبه] آخذا بحجزتك ليستشفع لك إلى ربك حتى يشفعه الله تعالى وسيأتي له نظائر كثيرة
الثالث أنك إنما تحب بقاء ولدك لينفعك في دنياك أو في آخرتك ولا تريد في الأغلب بقاءه لنفسه فإن هذا هو المجبول على طبع الخلق على أن منفعته لك على تقدير بقائه غير معلومة-
পৃষ্ঠা ৭
بل كثيرا ما يكون المظنون عدمها فإن الزمان قد صار في آخره والشقوة والغفلة قد شملت أكثر الخلائق وقد عز السعيد وقل الصالح الحميد فنفعه لك بل لنفسه على تقدير بقائه غير معلوم وانتفاعه الآن وسلامته من الخطر ونفعه لك قد صار معلوما فلا ينبغي أن تترك الأمر المعلوم لأجل الأمر المظنون بل الموهوم وتأمل أكثر الخلف لأكثر السلف هل تجد منهم نافعا لأبويه إلا أقلهم أو مستيقظا إلا واحدهم حتى إذا رأيت واحدا كذلك فعد ألوفا بخلافه وإلحاقك ولدك الواحد بالفرد النادر الفذ دون الأغلب الكثير عين الغفلة والغباوة فإن الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم كما ذكره سيد الوصيين وترجمان رب العالمين (ص) مع أن ذلك الفرد الذي تريده مثله أنما هو صالح نافع بحسب الظاهر وما الذي يدريك بباطنه وفساد نيته وظلمه لنفسه فلعلك لو كشفت عن باطنه ظهر لك أنه منطو على معاصي وفضائح لا ترضاها لنفسك ولا لولدك وتتمنى أن ولدك لو كان على مثل حالته يموت فإنه خير له هذا كله إذا كنت تريد أن تجعل ولدك واحدا في
পৃষ্ঠা ৮
العالمين ووليا من الصالحين فكيف وأنت لا تريده إلا ليرث بيتك أو بستانك أو دوابك وأمثال ذلك من الأمور الخسيسة الزائلة عما قريب وتترك [تركه] يرث الفردوس الأعلى في جوار أولاد النبيين والمرسلين مبعوثا مع الآمنين الفرحين مربا إن كان صغيرا في حجر سارة أم النبيين كما وردت به الأخبار عن سيد المرسلين ما هذا إلا معدودا من السفه لو عقلت ولو كان مرادك أن تجعله من العلماء الراسخين والصلحاء المتقين وتورثه علمك وكتبك وغيرها من أسباب الخير فاذكر أيضا أن ذلك كله لو تم معك فما وعد الله من العوض على فقده أعظم من مقصدك كما هو ستسمعه إن شاء الله تعالى مثل-
ما رواه الصدوق عن الصادق (ع) ولد واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده يدركون القائم (ع)
- واعتبر أنه لو قيل إن رجلا فقيرا معه ولد عليه خلقان الثياب قد أسكنه في خربة مغفرة ذات آفات كثيرة وفيها بيوت حيات وعقارب وسباع ضارية وهو معه على خطر عظيم فاطلع عليه رجل حكيم جليل ذو ثروة وحشمة [حشم] وخدم وقصور
পৃষ্ঠা ৯
عالية ورتب سامية فرق لهذا الرجل ولولده فأرسل إليه بعض غلمانه أن سيدي يقول لك إني قد رحمتك مما بك في هذه الخربة وهو خائف عليك وعلى ولدك من العاهات وقد تفضلت عليك بهذا القصر ينزل به ولدك ويوكل به جارية عظيمة من كرائم جواريه تقوم بخدمته إلى أن تقضي أنت أغراضك التي في نفسك ثم إذا قدمت وأردت الإقامة أنزلتك معه في القصر بل في قصر أحسن من قصره فقال الرجل الفقير أنا لا أرضى بذلك ولا يفارقني ولدي في هذه الخربة لا لعدم وثوقي بالرجل الباذل ولا زهدا مني في داره وقصره ولا لأماني على ولدي في هذه الخربة بل طبعي اقتضى ذلك وما أريد أن أخالف طبعي أفما كنت أيها السامع لوصف هذا الرجل تعده من أدنياء السفهاء وأخساء الأغبياء فلا تقع [فإياك أن تقع] في خلق لا ترضاه لغيرك فإن نفسك أغر عليك من غيرك واعلم أن لسع الأفاعي وأكل السباع وغيرهما من آفات الدنيا لا نسبة له إلى أقل محنة من محن الآخرة المكتسبة في الدنيا بل لا نسبة لها إلى إعراض الخالق سبحانه وتوبيخه
পৃষ্ঠা ১০
ساعة واحدة في عرصة القيامة أو عرضة واحدة على النار مع الخروج منها بسرعة فما ظنك بتوبيخ يكون ألف عام أو أضعافه وبنفخة من عذاب جهنم يبقى ألمها ألف عام ولسعة من حياتها وعقاربها يبقى ألمها أربعين خريفا وأي نسبة لأعلى قصر في دار الدنيا إلى أدنى مسكن في الجنة وأي مناسبة بين خلقان الثياب في الدنيا إلى فاخرها إلى أعلى ما في الدنيا بالإضافة إلى سندس الجنة وإستبرقها وهلم جرا ما فيها من النعيم المقيم بل لو تأملت بعين بصيرتك في هذا المثل وأجلت فيه رؤيتك علمت أن ذلك الكريم الكبير بل جميع العقلاء لا يرضون من ذلك الفقير بمجرد تسليم ولده ورضائه بأخذه بل لا بد في الحكمة من حمده عليه وشكره وإظهار الثناء عليه بما هو أهله لأن ذلك هو مقتضى حق النعمة الرابع أن في الجزع بذلك والسخط انحطاطا عظيما عن مرتبة الرضا بقضاء الله وفي فوات ذلك خطر وخيم وفوات نبيل عظيم فقد ذم الله تعالى من سخط بقضائه-
وقال من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليعبد ربا سواي
وفي كلامه لموسى (ع) حين قال له دلني على أمر فيه رضاك قال
পৃষ্ঠা ১১
إن رضاي في رضاك بقضائي
وفي القرآن الكريم رضي الله عنهم ورضوا عنه
وأوحى الله تعالى إلى داود يا داود تريد وأريد وإنما يكون ما أريد فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم ما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون [إلا] ما أريد
وقال تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم واعلم أن الرضا بقضاء الله تعالى ثمرة المحبة لله إذ من أحب شيئا رضي بفعله ورضا العبد عن الله دليل على رضا الله تعالى عن العبد- رضي الله عنهم ورضوا عنه وصاحب هذه المرتبة مع رضا الله تعالى عنه الذي هو أكمل السعادات وأجل الكمالات لا يزال مستريحا لأنه لم يوجد منه أريد ولا أريد كلاهما عنده واحد ورضوان الله أكبر- إن ذلك لمن عزم الأمور وسيأتي لذلك بحث آخر إن شاء الله تعالى في باب الرضا واعلم أن البكاء لا ينافي الرضا ولا يوجب السخط وإنما مرجع ذلك إلى القلب كما ستعرفه إن شاء الله تعالى ومن ثم بكاء الأنبياء والأئمة (ع) على أبنائهم وأحبائهم فإن ذلك أمر طبيعي للإنسان لا حرج فيه إذا لم يقترن بالسخط و
পৃষ্ঠা ১২
سيأتي الخامس أن ينظر صاحب المصيبة إلى أنه في دار قد طبعت على الكدر والعناء وجبلا على المصائب والبلاء فما يقع فيها من ذلك هو مقتضى جبلتها وموجب طبيعتها وإن وقع خلاف ذلك فهو على خلاف العادة لأمر آخر خصوصا على الأكابر والنبلاء من الأنبياء والأوصياء والأولياء فقد نزل بهم من الشدائد والأهوال ما يعجز عن حملة الجبال كما هو معلوم في المصنفات التي لو ذكر بعضها لبلغ مجلدات-
وقد قال النبي (ص) أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل
وقال النبي (ص) الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
وقد قيل إن الدنيا ليس فيها لذة على الحقيقة إنما لذاتها راحة من مؤلم وهذا أحسن لذاتها وأبهى بهجاتها مباشرة النساء المترتب عليه حصول الأبناء كم يعقبه من قذى أقله ضعف القوى وتعب الكسب والعناء ومتى حصل محبوب كانت آلامه تربو على لذاته والسرور به لا يبلغ معشار حسراته وأقل آفاته في الحقيقة الفراق الذي ينكث الفؤاد ويذهب الأجساد فكلما تظن في الدنيا أنه
পৃষ্ঠা ১৩
شراب سراب وعمارتها وإن حسنت إلى خراب ومالها وإن اغتر بها الجاهل إلى ذهاب ومن خاض الماء الغمر لا يجزع من بلل كما أن من دخل بين الصفين لا يخلو من وجل ومن العجب من أدخل يده في فم الأفاعي كيف ينكر اللسع وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع وما أحسن قول بعض الفضلاء في مرثية ابنه-
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلفو الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء حذوه نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني البناء على شفير هار
قال بعض العارفين ينبغي لمن نزلت به مصيبة أن يسهلها على نفسه ولا يغفل عن تذكر ما يعقبه من وجوب الفناء وتقضي المسار وإن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له يجمعها من لا عقل له ويسعى لها من لا ثقة له وفيها يعادي من لا علم له وعليها يحسد من لا فقه له من صح فيها سقم ومن سقم فيها برم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فتن واعلم أنك قد خلقت في
পৃষ্ঠা ১৪
هذه الدار لغرض خاص لأن الله تعالى منزه عن العبث وقد قال الله تعالى- وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقد جعلها مكتسبا لدار القرار وجعل تعالى بضاعتها الأعمال الصالحة ووقتها العمر وهو قصير جدا بالنظر إلى ما يطلب من السعادة الأبدية التي لا انقضاء لها فإن اشتغلت بها واستيقظت استيقاظ الرجال واهتممت بشأنك اهتمام الأبدال رجوت أن تنال نصيبك منها فلا تضيع عمرك في الاهتمام بغير ما خلقت له يضيع وقتك ويذهب عمرك بلا فائدة فإن الغائب لا يعود والميت لا يرجع وتفوتك السعادة التي خلقت لها فيا لها حسرة لا تفنى وغبن لا يزول إذا عاينت درجات السابقين وأبصرت منازل المقربين وأنت مقصر من الأعمال الصالحة خلى من المتاجر الرائحة فقس ذلك الألم على هذه الآلام وادفع أصعبهما عليك وأضرهما لك مع أنك تقدر على دفع سبب هذا ولا تقدر على دفع سبب ذاك-
كما قال (ع) إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت مأجور وإن لم تصبر جرى عليك القضاء وأنت مأزور
فاغتنم شبابك قبل هرمك-
পৃষ্ঠা ১৫
وصحتك قبل سقمك واجعل الموت نصب عينيك واستعد له بصالح العمل ودع الاشتغال بغيرك فإن الموت يأتي إليك دونه وتأمل قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى فقصر أملك وأصلح [أحسن] عملك فإن [فإنما] السبب الأكثري الموجب للاهتمام بالأموال والأولاد طول الأمل-
وقد قال النبي (ص) لبعض أصحابه إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فإنك لا تدري ما اسمك غدا
وقال علي (ع) إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فإنه يعدل عن الحق وأما طول الأمل فإنه يورث الحب للدنيا ثم قال ألا إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ويبغض وإذا أحب عبدا أعطاه الإيمان ألا إن للدين أبناء وللدنيا أبناء فكونوا من أبناء الدين ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا إن الدنيا قد ارتحلت مولية ألا إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب ألا وإنكم توشكون في يوم حساب ليس فيه عمل
واعلم أن محبوبا يفارقك-
পৃষ্ঠা ১৬
ويبقى على نفسك حسرته وألمه وفي حال إيصاله كدك وكدحك وجدك واجتهادك ومع ذلك لا يخلو زمانك معه من تتغيظ به أو عليه لأجل أن تتسلى عنه وتطلب لنفسك محبوبا غيره وتجتهد في أن يكون موصوفا بحسن الصحبة ودوام الملازمة وزيادة الأنس وتمام المنفعة فإن ظفرت به فذلك هو الذي ينبغي أن يكون بغيتك التي تحفظها وتهتم بها وتنفق وقتك عليها وهو غاية كل محبة ومنتهى كل مقصد وما ذاك إلا الاشتغال بالله وصرف الهمة إليه وتفويض ما خرج من ذلك إليه فإن ذلك دليل على حب الله تعالى يحبهم ويحبونه - والذين آمنوا أشد حبا لله وقد جعل النبي (ص) الحب لله من شرط الإيمان-
فقال لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
ولا يتحقق الحب في قلب أحدكم [لأحد] مع كراهته لفعله وسخطه به بل مع رضاه به على كل وجه بل على وجه الحقيقة لا على وجه التكلف والتعنت-
وفي أخبار داود (ع) يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني وجليس من جالسني و
পৃষ্ঠা ১৭
مؤنس لمن آنس بذكري وصاحب لمن صاحبني ومختار لمن اختارني ومطيع لمن أطاعني ما أحبني أحد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحييته حياة لا يتقدمه أحد من خلقي من طلبني بالحق وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي وآنسوا بي أوانسكم وأسارع إلى محبتكم
وأوحى الله تعالى إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من عبادي يحبوني وأحبهم ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ويذكروني وأذكرهم فإن أخذت طريقتهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك فقال يا رب وما علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما يحن الطير إلى أوكارها عند الغروب فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت المفارش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلي أقدامهم وافترشوا إلي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوني بأنعامي ما بين صارخ وباك وما بين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد
পৃষ্ঠা ১৮
وبين راكع وساجد بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشكون من حبي أقل ما أعطيهم ثلاثا الأول أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم والثاني لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في موازينهم لاستقللتها لهم والثالث أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم ما أريد أن أعطيه
وهاهنا نقطع الكلام في المقدمة ونشرع في الأبواب
الباب الأول في بيان الأعواض الحاصلة من موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد
اعلم أن الله سبحانه عدل كريم وأنه غني مطلق لا يليق بكمال ذاته وجميل صفاته أن ينزل بعبده المؤمن في دار الدنيا شيئا من البلاء وإن قل ثم لا يعوضه عنه ما يزيد عليه إذ لو لم يعطه شيئا بالكلية كان له ظالما ولو عوضه بقدره كان عابثا تعالى الله عنهما علوا كبيرا وقد تظافرت بذلك الأخبار النبوية
ومنها أن المؤمن لو يعلم ما أعد الله له على البلاء لتمنى أنه في دار الدنيا قرض بالمقاريض
ونقتصر منها على ما يختص بما نحن فيه
فقد رواه
পৃষ্ঠা ১৯
عن النبي (ص) أزيد من ثلاثين صحابيا روى الصدوق (رحمه الله) بإسناده إلى عمر بن عتبة السلمي قال سمعت رسول الله (ص) يقول أيما رجل قدم ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث أو امرأة قدمت ثلاثة أولاد فهم حجاب يسترونه عن النار
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال ما من مسلمين يقدمان عليهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته
الحنث بكسر الحاء المهملة وآخره ثاء مثلثة الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي يكتب عليهم فيه الذنوب والآثام قال الخليل بلغ الغلام الحنث أي جرى عليه القلم
وبإسناده إلى جابر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال من قدم أولادا يحتسبهم عند الله تعالى حجبوه من النار بإذن الله تعالى عز وجل
وبإسناده إلى علي بن ميسر عن أبي عبد الله (ع) قال ولد واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين يخلفهم من بعده كلهم قد ركبوا الخيل وقاتلوا في سبيل الله
وعنه (ع) ثواب المؤمن من ولده الجنة-
পৃষ্ঠা ২০
صبر أو لم يصبر
وعنه (ع) من أصيب بمصيبة جزع عليها أو لم يجزع صبر عليها أو لم يصبر كان ثوابه من الله الجنة
وعنه (ع) ولد واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده يدركون القائم ع
وروى الترمذي بإسناده إلى النبي (ص) أنه قال ما نزل البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله عز وجل وما عليه خطيئة
وعن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده وكانت له صحبة قال سمعت رسول الله (ص) يقول إن العبد إذا سبقت له عند الله تعالى منزلة ولم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت إليه من الله عز وجل
وعن ثوبان مولى رسول الله (ص) قال سمعت رسول الله يقول بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للرجل فيحتسبه
بخ بخ كلمة تقال عند المدح والرضا
পৃষ্ঠা ২১