মুরুর ফি আর্দ হানা
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
জনগুলি
وقد أثر في منظره، حتى أبكاني وأخذتني الشفقة عليه؛ لأنه بعد تلك الجلدة لم ينبس ببنت شفة، حينئذ قلت بفكري: متى يزول هذا التباعد الواقع بين المسلم والنصراني، إنني أرى النصارى تتقرب من الإسلام وتتساهل معهم، فقد فتحوا المدارس وأنشئوا الجرائد، وكل ذلك خدمة للجامعة الوطنية، ومدوا أيديهم إلى إخوانهم المسلمين، وقالوا لهم: تعالوا نتحد، ونهدم أركان ذلك السد الذي بيننا والحائل دون اقترابنا. ولكن كلما زاد المسيحيون تقربا، زادوا هم تباعدا، فأصبح كل فريق يشتغل لنفسه، ولكن ليس لخدمة البلاد بل لتقهقرها.
فيا أيها المشائخ الأجلاء، اعتبروا بقصاص رصيفكم، واعملوا على تقريب المسلم من أخيه المسيحي، وأوصوا شعبكم بالاتحاد معهم، والتكاتف على النهوض؛ لأن كلمة من فمكم تفعل ما لا تفعله مائة جريدة ومجلة في مئات من السنين، فأحسنوا النية بالمسيحيين إخوانكم بالوطنية، واعملوا معا على الانضمام تحت لواء الجامعة الوطنية، وحرضوا الحكام الذين تتسلطون عليهم ليحكموا بالعدل والمساواة، وينفذوا القانون على الجميع بدون تمييز، ودعوا الدين معززا مكرما ضمن المعابد ولا تمزجوه بالسياسة، وهذا القول يوجه إلى رؤساء النصرانية أيضا.
واعلموا - حفظكم الله - أن النهوض من كبوتنا - نحن الشرقيين - وحل المسألة الشرقية، متوقف على الأمة الإسلامية؛ لأنها هي الدعامة القوية في جسم الأمة الشرقية، ومتى سارت في مقدمة باقي الملل تحت علم الجامعة الوطنية فأنا الكفيل بالفوز القريب، ولكن إذا بقيت على ما هي عليه من الابتعاد وعدم التقرب من باقي الشعوب الشرقية بداعي الدين فالسقوط قريب؛ لأن أفاعي الغرب فاغرة أفواهها لابتلاع بلادنا، فنضيع أخيرا بين تلك الأمم الغربية، ونخسر كل شيء لنا. •••
وبعد أن نفذوا الحكم على الشيخ حملوه إلى الداخل، وهو لا حراك فيه من شدة الألم الذي أصابه، وعادوا وهم سائقون رجلا ذا هيئة كئيبة، فقلت لحنوش: من هذا؟ قال: أحد البخلاء. ولما وقف أمام المأمور أمر بجلده أربعين جلدة على بطنه، فلما سمع البخيل هذا الحكم، جثا على ركبتيه، ورفع يده ، وقال: ارحمني يا سيدي، وأشفق على مسكنتي، إنني كنت في حياتي «كافي الناس خيري وشري»، لا أتداخل بأمر أحد، ولا أسيء إلى أحد. فأجابه: اصمت يا بخيل، تكفيك هذه الوصمة - وصمة البخل - تطلب الآن الشفقة يا ذا النفس الساقطة، كان الأحرى بك أن تشفق على نفسك التي حرمتها من ملاذ العالم المحللة، مع وجود المال الكثير معك، أنزلوا عليه أيها الجنود - بدون إبطاء - أربعين جلدة من «كعب الدست»؛ لأن وجوده كان في ذلك الكون كالعدم، فكم رد من أمامه جائعا فقيرا، وكم خيب طلب سائل محتاج، وتمنع عن دفع بارة واحدة للمشاريع الخيرية، كم حرم أهله وذويه من أكثر لزوميات الحياة كالإقامة في البيوت الصالحة للسكن، وكالكساء اللازم، وكالمأكولات المغذية النظيفة، كم نادى الدينار: أنت معبودي، أنت سندي ومرغوبي، فابق في جيبي ولا تتزحزح. فسقط الجنود عليه بالضرب حتى أغمي عليه، وفي وسط هذا الإغماء كان يتقيأ الليرات الإنكليزية والفرنساوية والعثمانية، ومنها ليرات من أبي الخمسة وبشالك ومتاليك وزهراويات مقدحة، وغير ذلك من العملة القديمة، التي يظهر أنه جمعها من عهد بعيد، فقلت: ليت شعري! هل أنقذته أمواله من هذا العذاب المر، فقد أهان نفسه في العالم الأول وفي الأخير، وحرمها من الطيبات، وأضر غيره بجمعه تلك الأموال، التي كان يجب أن تكون متوزعة بين أيدي الناس ليستفيدوا منها، وينتفعوا بصرفها. •••
ثم حملوا المنحوس إلى الداخل، «والمصاري تهر» من جميع منافذ جسمه ... وعاد الجنود بشخص ذي عيون كعيون النمس، فقلت لحنوش: لا شك أن هذا الرجل لص. فقال: وهو عند قولك. فلما انتصب أمام المأمور، أمر له بعشر جلدات على يديه، ومثلها على رجليه، فانتفض اللص عند سماعه هذا القصاص، وحنى رأسه وبكى، ثم نظر إلى المأمور وخاطبه قائلا: إن ذنبي لا يستأهل هذا القصاص الشديد، ارفق بحالي، وتحنن على ضعفي، فإن جسمي لا يقوى على حمل هذا القصاص. فقال له المأمور: اسكت «يا حرامي»، تقول إن جسمك لا يقوى على حمل هذا القصاص، مع أنك كنت تحمل بأسة البريم ، وبالة المقصور الأميركاني، وتذهب بها كأنك «موش حامل شي»، نسيت كل ذلك يا ابن الحرام، نسيت عندما كنت تمد يدك إلى جيوب الناس، وتنشل منها الريال «والسينكونتا ميل ريس»، وربما يكون المسروقة منه بحاجة إلى إعالة عائلته، كم مرة سرقت الدجاج من «القن» بواسطة لم يسبقك إليها أحد، حيث كنت تربط حبة الحمص بخيط وترميها إلى داخل القن، فتنقرها الدجاجة وتبتلعها وتبقي الخيط بيدك، فتسحبها من القن بهدوء وسكينة؛ لأن الدجاجة لا تقوى على الصياح لوجود حبة الحمص مع الخيط بحلقها، نسيت عندما كنت تسطو على عرائش عنب بيض الحمام، وتحرم أصحابها من أكل عنقود منها.
ثم صرخ المأمور: نفذوا الحكم أيها الجند حالا. فما كاد الجنود ينزلون عليه بالسياط المحمية حتى سقط على الأرض كالقتيل.
وقد لحظت على قميصه ماركة «برج إيفل» فتأكد عندي أنها مسروقة من معمل القمصان، الذي يخص معلوف شركاء في سان باولو، وقد يظهر أنه كان «ماسكهم زباين»؛ لأنه علم أنهم قد اشتروا المغسلة بما فيها من العمار والأرض والآلات، فطمع وقال: إن سرقة قميص لا تؤثر شيئا.
لعنة الله على الحرام، ما أقبحه! لأنه مهما تحاشى اللص كتم سرقته، فلا بد من أن تظهر يوما ولو في غير دنيا. •••
وعلى حسب العادة، أدخلوا اللص إلى الداخل، وأتوا برجل عبوس بلحية طويلة، وعليه علائم الحدة والعنفوان، فقلت لحنوش: أليس هذا أحد الكهنة؟ فقال: نعم. فقلت: الكهنة أيضا يحاكمون؟ قال: كهنة، ورؤساء كهنة، ومنسونيورات، وخورفسقفات، وأرشمندريتات، وجميع طبقات الإكليروس، الكل يقفون أمام المأمور بدون استثناء.
فلما اقترب من المأمور قال له: يا أبانا، أريد أن تجلد 14 جلدة، فلا تأخذ على خاطرك؛ لأن العدالة تقضي بذلك. فنظر إليه الخوري وقال بحدة: أي عدالة هذه، لا أفتكر أنني عملت شيئا يقتضي القصاص. فأجابه المأمور: طول بالك يا أبانا، لا تأخذ المسألة بحدة، نعم، أنت لا تفتكر أنك عملت ذنبا؛ لأنك كنت تحل وتربط لنفسك. «اندفوه» أيها الجنود بالقضبان السود، ولكن بهدوء، «لأن أبونا طبعاته حدين». وغمزهم، فعاود الخوري إلى الاعتراض، وقال: كيف أقبل هذا القصاص المحط من قدري الآن، وكنت في زماني أقف بوجه مطراني غير مهتم له ولا لأحد في الكون، وأيضا قد سافرت إلى أميركا من غير إذن، فكيف أنت الآن تعمل على إهانتي واحتقاري؟
অজানা পৃষ্ঠা