حين جلس جيمي بجانب سيد النحل وأدام النظر نحوه، بدا له أن كل يوم يمر كان يشكل مرحلة واضحة من ويلات المرض الذي راح يهلك الجسد الهزيل أمامه. وفي كل مرة يذهب لزيارته كان يدرك أن سيد النحل لم يعد لديه صوته القوي المعهود، وأن قبضة يده قد ضعفت بعض الشيء.
بعد أن انتهى من كتابة العنوان والإنصات للتعليمات التي أعطاه إياها سيد النحل، جلس جيمي ينظر إلى الوجه العجوز الوسيم على الوسادة، ببشرته الشاحبة، وشعره الحريري، وبدا له أن ثمة قدرا هائلا من السلام والهدوء يتنامى على الجبهة وفي العينين يوما بعد يوم، وتأمل ما كان الكشافة الصغير قد قاله بشأن النوع الجميل من الموت الذي يأتي وديعا في الليل، وتساءل إن كانت تلك التجربة قد تأتي إلى سيد النحل في أي ليلة من الآن.
لا بد أن الفكرة نفسها كانت تدور في ذهن سيد النحل أثناء سيطرة هذه الأفكار على ذهن جيمي. فقد بدا صوته خفيضا جدا وعيناه متعبتين تعبا غير عادي حين قال: «جيمي ماكفارلين، فلتتخيل أن الزمن عاد بك وابدأ من البداية واحك لي كل شيء عن أمك التي حملتك وأبيك وأي بيت ترعرعت فيه.»
وكانت آنذاك هذه هي المواضيع التي يستطيع جيمي ماكفارلين الحديث عنها بفصاحة عند أقل تشجيع؛ لأنه أحب أباه وأمه لسبب وجيه. فقد كانا صارمين تماما شأن الاسكتلنديين، لكنهما في الوقت نفسه يفيضان مثلهم باللطف والحب والرقة، فكانت ذكرياته عن منزله وطفولته من الأشياء الجميلة. جلس جيمي بجانب الفراش وقد سقط الضوء القادم من النافذة على وجهه، وتحدث على مهل بالتأني الذي يبحث عن النقاط المهمة، وبالتلقائية المحبة التي تضيف التفاصيل الصغيرة التي توضح الصورة كاملة. بعد أن فرغ من الوصف الأخير لعودته للديار من الحرب وصدمته لدى معرفة أن كليهما قد رحل وأنه لم يعد لديه أي شيء، جلس ساكنا تماما، مرسلا نظره عبر النافذة، وكان صوت سيد النحل هو ما أعاده.
إذ سأله: «وماذا حدث بعد ذلك؟»
فبدأ جيمي حديثه من جديد وأنهى القصة. وقد حكاها بصدق، من دون أي تحريف البتة إلا إغفاله ليلة العاصفة والنتائج المترتبة عليها.
بعد أن فرغ من الكلام، ابتسم سيد النحل له، ثم قال: «ماذا عن النحل والأسابيع التي قضيتها بينهم في الحديقة الزرقاء؟»
أجابه جيمي قائلا: «بخصوص حالتي الذهنية، فإن الوقت الذي قضيته في منزلك محاولا رعاية نحلك وزهورك وأشجارك هو أجمل وقت عشته في حياتي كلها. فقد بدأت بنار متقدة في صدري وكآبة مريرة في قلبي وعقلي؛ لكن بطريقة ما، بسبب شيء قاله الكشافة الصغير لي، وبسبب الهواء النقي وأشعة الشمس المنعشة والجمال المحيط بي من كل جانب؛ تسلل إلى قلبي وعقلي نوع من الجمال المماثل، وأعتقد أنه طغى على جزء كبير من الكآبة المريرة. لقد كنت متعبا غاية التعب حين أتيتك مترنحا على الطريق لأحاول مساعدتك على بلوغ المستشفى حتى إنني لا أستطيع أن أصف حالتي الجسدية أو الذهنية حين أتيت. لكنني أدرك أنني اليوم أنجزت في الحديقة نحو ضعف كمية العمل الذي أديته في أول يوم حاولت فيه بحق أن أرعى مصالحك.»
حرك سيد النحل يديه النحيلتين فوق الغطاء. وأضاءت ابتسامة نادرة وجهه.
وقال: «هذا أمر جيد!» ثم أضاف: «حسنا! إذن هل تشعر أنه إذا أخرجوني من هنا محمولا ذات يوم وأعادوني إلى المنزل، كحطام رجل لا أقوى على الوقوف على قدمي والقيام بعملي، هل تشعر أنك ستود البقاء معي، وتحاول تعلم أمور النحل منذ نشأته وهو بيضة حتى نهاية دورة حياته؟»
অজানা পৃষ্ঠা