حينئذ رد الصوت التخيلي على جيمي مرة أخرى، وكان صوتا ساخرا ضحك منه واستهزأ به. إذ قال: «حسنا، أيها السيد المقبل على الزواج، من الأفضل أن تعود للمنزل وتشد من عضدك بالراحة والنوم. يفضل أن تكوي سروالك وترى إن كان لدى السيد ربطة عنق لائقة يمكنك اقتراضها. ما دمت ستصبح عروسا يجدر بك أن تفكر في الشروع في الاستعداد.»
ولما أحس جيمي بالسخرية في الصوت، دافع عن نفسه. فقال: «حسنا، ماذا كنت ستفعل أنت؟ إذا لم يكن لديك من قريب على وجه الأرض، وإذا كنت تعلم أنك لن تحيا لترى العواقب، وإذا أوشكت امرأة، شابة وجذابة، أن تلقي بنفسها في البحر أمامك، ألم تكن ستنقذها بأي وسيلة في إمكانك؟ ألم تكن ستمنحها اسما لن يضر منحك إياه لها أحدا وربما يساعدها طوال حياتها المتبقية؟»
لم يسمع أي رد على ذلك، فصرف انتباهه إلى البحر مجددا. ثم قال متجهما: «أود أن أعرف ما الذي تفعله الكثير من الأمهات في هذا العالم. ما دام لديهن معرفة كافية عن التأثير الشديد لجاذبية الجنس حتى إنهن تزوجن رجالا وأنجبن أطفالا، فكيف، بحق الله، لا يعلمن ما الذي يجعلن الشباب يواجهونه حين يطلقن لهم اللجام في حرية تامة لا يحدها حد في الجبال ووسط الوديان وعلى الشواطئ وفي المتنزهات وقاعات الرقص والشوارع؟ أليس بمقدورهن أن يرين أنه مهما تغير الزمن والعادات، فإن رغبات القلب واندفاع الجسد لا تتغير؟ بل إنها لا تزداد إلا إلحاحا مع الحرية والانفلات والاتصال الجسدي المتاح في هذه الأيام العجيبة.»
ثم نهض جيمي مترنحا وارتدى معطف المطر وراح يتحسس الطريق بقدميه، في هبوطه المسار المنحدر الذي ألفه خلال المرات القليلة التي تسلقه فيها للحد الذي يكفل له اجتيازه بأمان. ومضى في سبيله مجتازا الشاطئ بالالتفاف بين الأمواج المتدافعة وزهور الربيع المتشابكة. فحين يجد نفسه بين شباك زهور الربيع التي تنذر بتعثره، ينحرف نحو المياه. وحين تتناثر عليه المياه، ينعطف نحو زهور الربيع، وبذلك وصل أخيرا حيث تلقي مصابيح منزل سيد النحل ضوءا مرحبا على سفح الجبل. فتحسس السياج الخلفي حتى بلغ البوابة، وبعد ذلك كان من السهل الوصول إلى الباب الخلفي، وقد كان متهيئا تماما للباب الخلفي حين فتحه. حيث ارتمى على أول مقعد قابله ليستريح بعض الوقت.
قال جيمي: «لا أعلم بالمرة حتى إن كان القران الذي سينعقد غدا، أم هو اليوم؟» رمق الساعة ورأى لدهشته أنه اليوم «لن يقتصر على جهد يوم واحد.» إلا أن تلك الكلمة التي ألقيت إليه بسخرية هناك على الصخرة، «عروس»، ظلت تتردد في أذنيه. أن يصبح الرجل عروسا لهو أمر جلل مهما كانت الظروف. من المفترض أن يكون أروع شيء في العالم بأسره. وفي الظروف العادية، لا يفترض أن يكون في قلب الرجل شيء أكبر ولا أسمى ولا أقدس من أن يكون عروسا للعروس التي اختارها، إلا حب الله. لكن الظروف التي اتفق فيها على أن يصبح عروسا لم تكن عادية بالمرة. كلا، مطلقا. فقد ثارت عاصفة في الطبيعة، وعاصفة في قلبه، وعاصفة في قلب الفتاة.
قال جيمي: «يا للهول!» وتابع: «يا لها من عاصفة! إعصار شديد! إنني ذاهب إلى الفراش، على أي حال، لوضع الأمور في نصابها غدا وسأرى إن كنت سأستطيع النوم أم لا. فإن استطعت، ترى إلى كم من الوقت سأحتاج، وكيف سأجد المكان الذي وعدت أن أوجد فيه.»
هنا خطرت على باله مارجريت كاميرون. من الممكن أن تخبره بخطوط العربات الواجب أن يستقلها، وعند الوصول إلى وسط المدينة لن يصبح من الصعب العثور على المكتب المختص الذي تعقد فيه معاملات المقاطعة.
ومن ثم استلقى جيمي وأغمض عينيه، ولفه سواد الليل المخملي وبلغته حركة البحر المنتظمة وهو يتكسر على الشاطئ القريب جدا بإيقاع منسجم. وهبت ريح شديدة بعض الشيء حتى لتسمع لها صفيرا منخفضا. كان مرهقا جدا، لكنه فعل ما يجعله يزهو بنفسه حتى الآن. فقد قال للفتاة إنه سيساعدها إذا أخبرته بمشكلتها، من دون أن يكون في رأسه فكرة عن الطريقة التي سيساعدها بها. ومن شدة حزنها استطاع أن يقيس شدة شعورها بالفرج، فرج جعل شفتيها تلثمه، ويديها تتشبثان به في جموح. فقد أنقذ كرامتها ربما أمام العالم. لقد عرض عليها ما لم يحمل له نفعا كثيرا، بدلا من الرجل الذي كان أنذل من أن يفي بالتزاماته. وفي النهاية، سيصبح لديه شيء جميل ليتأمله حين تأتي الساعة الأخيرة. ربما كان الكشافة الصغير محقا بشأن أنواع الموت المختلفة. ربما حين تأتي ساعة جيمي سيمكنه التفكير في فرحة النجاة، والخلاص، والبهجة المفرطة، التي قضت على الشعور بالخوف والمذلة لدى الفتاة التي يحاول مساعدتها. ربما سيتمكن من أن يضم يديه ويستغرق وادعا في النوم، وربما سيحمل وجهه على الأقل الابتسامة الغامضة التي تحدث عنها الكشافة الصغير، إذا تسنت له فرصة الدخول من البوابات ومقابلة أمه.
وفي اليوم التالي انطلق دوي المنبه الذي كان قد ضبطه على الساعة السابعة، فاستيقظ من سبات عميق وذهب لتناول الفطور وري الزرع. اكتفى بإخبار مارجريت كاميرون بأنه لديه بعض المصالح في البلدة. لا، لم يكن ذاهبا إلى المستشفى، لأنه رأى في عينيها الرغبة في الذهاب معه. لم يكن سيذهب إلى المستشفى قبل أن يطلبه الدكتور جرايسون. سوف يعود في المساء في ميعاد تناول العشاء، وربما قبل ذلك. ليست إذن في حاجة إلى إعداد غدائه.
قام جيمي بأهم الأعمال التي ظل يؤديها يوميا خارج المنزل، مؤجلا منها بقدر ما استطاع لليوم التالي. ثم دخل ليستريح بعض الوقت. بعد ذلك راح ينظف ملابسه ويبحث في الأدراج والخزانات، فقد أخبره سيد النحل أن باستطاعته استخدام ملابسه إذا أراد تغيير ملبسه، نظرا إلى الحقيقة الساطعة أنه قد قابله على الطريق وليس لديه سوى الملابس التي يرتديها. أمعن جيمي التفكير ثم اختار قميصا حريريا رماديا في غاية الأناقة وربطة عنق ذات لون أزرق فاتح. ونظر إلى سرواله مستنكرا. إذ كان قد نام به واستخدمه استخداما قاسيا، وأدى بعض الأعمال وهو مرتد إياه. لذا فهو ليس بالسروال المناسب لعروس. كان مقاربا جدا لسيد النحل في طوله وبنيته حتى إن السروال الرمادي الذي وجده مبسوطا في درج خزانة الأدراج كان مناسبا له تماما. واصل البحث، حتى كاد يغطي الفراش بالملابس التي بدت له لائقة إلى حد كبير بعروس حقيقي.
অজানা পৃষ্ঠা