قرب جيمي المصباح إليه أكثر وألقى قطعة أخرى من الحطب في النار واستلقى مسترخيا على المقعد وظل يقرأ حتى أحس بعينيه مجهدتين وصارت النار خافتة، وعندئذ ذهب إلى الفراش.
حين استيقظ في الصباح التالي من نوم طويل وعميق وتمكن من الاستحمام ثم وضع الأربطة التي تربط اللفافات على صدره وفوق كتفيه وحول ظهره لتثبيت الضمادات في مكانها، أحرز تقدما ملحوظا لأنه لم يكن يفكر في جرحه أو متى سيقضي عليه. وإنما كان يفكر إذا ما كان الكشافة الصغير سيأتي مرة أخرى ذلك اليوم؛ إذا ما كان، بعد أن يفرغ من العمل الواجب عليه القيام به، سيبقى لديه قوة ليحمل نفسه إلى الحدود الأرجوانية والصفراء على الشاطئ، والعسل الذي تساقط من السماء بكرم شديد حتى يجمعه نحل الأزمنة الغابرة ويملأ به الخلايا. كان يفكر في أي شيء تقريبا، إلا نفسه، وكان ذلك من أفضل الأشياء التي حدثت له خلال سنتين طويلتين.
في ذلك اليوم، بعد أن فرغ من الري وغفا بعد الغداء، ذهب في الرحلة التي كان قد انتوى القيام بها وجلس على الرمال الساخنة، فسحره بشدة الشذا المسائي لزهور الخزامى الصغيرة التي تنمو هناك، وفتنه للغاية جمال اللون الذهبي، حتى إنه قرر أن يبحث بين كتب سيد النحل ليرى إن كان بإمكانه العثور على كتاب عن الزهور ليعرف منه طبيعة هذه الأشياء الغريبة الجميلة. وحين نظر من أعلى موقع للمشاهدة بعينين تواقتين نحو مياه البحر المالحة الصافية ونحو المساحة الواقعة بينه وبين العرش، أدرك احتمالية أنه يستطيع خلال أسبوع الذهاب حتى ذلك الحد؛ لأن قدميه كانتا قد تحسنتا كثيرا، بعد ليلة من الراحة، وبعد نقعهما في الماء مدة طويلة، ولم تكن عضلاته بالغة التيبس ولا ألم عظامه يفوق احتماله.
في الساعة السادسة ذلك المساء رن جرس الهاتف وأبلغه الدكتور جرايسون أن الجراحة قد انتهت، وعاد سيد النحل إلى حجرته، واستعاد وعيه. وكان أول الأسئلة التي سألها تقريبا هو إذا ما كانت ثمة أي رسالة له بخصوص النحل، وقد أخبره الطبيب أن كل شيء على ما يرام، لكن إن كان هناك أي خبر خاص ليخبره به وهو يغير على جرحه في الصباح فقد يكون مفيدا له. هنا أعاد جيمي القول بأن كل شيء على ما يرام وأضاف بعض التفاصيل الخاصة بالري واستفسر متى يمكنه رؤية سيد النحل.
أجاب الدكتور جرايسون قائلا: «إنه لا يدرك كم هي خطيرة حالته ولا كم هو ضعيف، لكن أعتقد أنك قد تستطيع أن تأتي لزيارته أول زيارة خلال أسبوع أو عشرة أيام. في الوقت نفسه، سوف أتصل بك وأعطيك تقريرا كل مساء، ليصبح لديك علم بحالته، كذلك يهمني أن أعرف كيف أصبحت أنت نفسك.»
تردد جيمي أمام ذلك الأمر. فلم يدر ماذا يقول على وجه التحديد. لكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، واصل الطبيب حديثه فقال: «لم يكن هناك وقت لأوليك أي عناية حين كانت حياة سيد النحل في خطر، لكن تبدو لي واحدا من أبنائنا الذين يعانون من مشكلة خطيرة بعض الشيء في مكان ما من جسده، وقد تشككت فيما إن كنت مناسبا للمهمة التي ستضطلع بها. لذا متى أردت فلتأت كي أتمكن من فحص حالتك، هات قلما وسأعطيك إرشادات للوصول للمستشفى، إن كنت غريبا عن المدينة.»
فقال جيمي إنه غريب، وإنه يود جدا الحصول على عنوان المستشفى، وإنه إذا تكرم الطبيب بإتاحة ذلك العرض إلى أن يأتي لزيارة سيد النحل، فسيصبح ذلك ممتازا للغاية.
هكذا مر يوم ومر بعده يوم آخر، وكان جيمي في كل يوم ينتهي من ري الزهور والفاكهة وخلط الشراب للنحل وفحصه للقفائر في مدة أقل قليلا من اليوم السابق. حيث اتبع نصيحة الكشافة الصغير. فحين ذهب وسط النحل ارتدى المعطف الذي كان سيد النحل يرتديه وفرك يديه وشعره بزنابق مادونا وزار حوض القرنفل أكثر من مرة. كان ثمة سؤال في ذهنه، نتج عما قاله الطفل، بشأن ما إن كانت الأعضاء الحساسة لدى النحل قد تتبين الرائحة الخافتة للضمادات وتستاء منها لأنها غير مألوفة، لكن لم يحدث شيء من ذلك. فهو يقارب سيد النحل جدا طولا وهيئة، وقد ارتدى معطفه المألوف، وتدرب كثيرا على أغنية «هايلاند ماري»، فلم ينتبه له النحل البتة حين اقترب منه. أما قفائر النحل الألماني الأسود المعزولة فقد ابتعد عنها. حيث شعر في أعماق روحه أنه إن اقترب من قفير نحل يسمى ألمانيا أسود، فسوف يستجمع ما تبقى لديه من قوة ويركله في وسط المحيط الهادئ بغض النظر عما قد يحدث على سبيل الانتقام.
بعد أن علق المعطف على المشجب الذي وجده عليه، اصطدمت أصابعه بشيء خشن ودافئ حين تفحصه تبين أنه ثوب سباحة من الصوف، ثوب ثقيل دافئ. أنزله جيمي وتحسسه متحمسا ثم سار إلى الرواق الخلفي وأطل على مياه البحر الزرقاء. رفع ثوب السباحة إلى كتفيه ولفه حول نفسه، وتساءل إن كان سيغطي الأربطة أم لا وما سيحدث إن ابتلت الضمادات بالماء المالح.
خشي ألا يكون مناسبا، فاستدار آسفا وعلق ثوب السباحة الصوف ببطء، ليس حيث كان، ولكن على المشجب الأول الأقرب إلى إطار الباب الخلفي، علقه في موقع واضح حيث لا بد أن يراه كلما دخل من الباب أو خرج منه، وكان كلما رآه وقف ونظر إليه، وفي غضون بضعة أيام قرر أنه لا بأس من ارتدائه والسير بقدمين حافيتين على الرمال الساخنة. لن يكون هناك برودة في الجو خلال حرارة النهار، ويمكنه عندئذ السير حيث تتكسر الأمواج الصغيرة بحيث تبل قدميه، لمجرد الشعور بالبهجة التي تصور أنها ستغشاه حين تزحف تلك الأمواج الباردة المالحة مقتربة وتمر عليهما. وبإمكانه العودة إلى الرمال الساخنة وتجفيفهما سريعا، أوليس من الوارد أن تحفز تلك العملية دورته الدموية؟ أليس من الممكن أن تجذب الرمال الساخنة الدم الخامل المسمم في أوردته نحو قدميه؟ أليس من الممكن أن تدفعه المياه المالحة الباردة مرة أخرى؟ أليس من الممكن أن يؤدي النشاط الناشئ عن ذلك إلى التخلص من السم الناجم عن الجرح الذي في صدره؟
অজানা পৃষ্ঠা