176

মৌমাছি পালক

مربي النحل

জনগুলি

ثم قالت: «إنني ممتنة لك يا جيمي على لين قلبك وعلى نواياك الطيبة. أعلم أنك تحاول تعزيتي، لكن شاءت الظروف أن أصبح في اللحظة الراهنة امرأة لا يعزيها شيء. ربما أستطيع بعد سنوات أن أحظى بشيء من صفاء الذهن بشأن لولي. ربما أستطيع بعد سنوات أن أحب طفلها، وأستطيع أن أحبه ملء قلبي وأجد فيه نوعا من السلوى في مواجهة الشيخوخة، لكنني أؤكد لك الآن أن ذلك يبدو لي أشبه بافتراض ميئوس منه. يبدو لي أن شباب هذه الأيام، بجموحهم وهروبهم، في حالتي على الأقل، قد أصابتهم مصائب بغيضة. كان دون شابا طيبا، وتحت ضغط الحاجة إلى السفر وكسب المال وكسبه سريعا حتى يتمكن من الزواج من لولي، التحق بعمل قاده لهلاكه، وقضت هي مدة حملها في عذاب. ويشهد على مقدار عذابها أن صحتها تدهورت حتى إن العملية التي لا يفترض أن تسبب لها أذى دائما، قضت عليها. وها قد مات الاثنان. وها هو طفل من دون حق واضح وقانوني في اسم، ووصمة عار تلاحقه طوال حياته مع علم عدة أشخاص. وها هي مولي قد عانت معاناة تفوق التحمل طوال شهور . وها أنا ذا، بعد أن عشت حياتي أفعل أفضل ما في وسعي، لم يتبق لي سوى أن أحني رأسي لضربة لا يمكن تأويلها بأي شيء سوى أنها ضربة شائنة. لم يعد لي فيما تبقى من أيام سوى الاستكانة، والعلم بأن لدي شيئا لا بد أن أخفيه، لا بد أن أبقيه سرا، وأنني لن أرفع رأسي ثانية أبدا بكبرياء آل كاميرون أو كبرياء أسرتي. لا جدوى، يا جيمي. عد إلى منزلك، وإذا حدث واكتشفت أنت ومولي أنكما يحب أحدكما الآخر، فلا تستبقا الأمور. استقيما أمام الرب وأمام القانون. التزما بالشرف الأصلي لقومك وعشيرتك. التزما بقوانين بلدكما، وشرائع كنيستكما وشرائع الخالق. قد يبدو كلامي وعظا، لكن من أحق مني بالوعظ ولدي جنازتان بين يدي، جنازتا صغيرين ربيتهما في منزلي وأقسم أمام الله إنني فعلت أفضل ما في وسعي.

لكنه لم يكن كافيا. فقد اعتقد الصغيران أنهما يعرفان سبيلا أفضل، وتجاهلاني وتركاني، وإنني أتمنى أن يجعل الخالق الرحيم بطريقة ما آلاف الشباب في أنحاء البلاد، الذين يفكرون في تجربة نفس السبيل، آه، أتمنى أن يطلعهم الخالق الرحيم على الوجهين الميتين اللذين رأيتهما مؤخرا، وقد ماتا في ريعان الشباب، ماتا في عز رونقهما، غابا عن الحياة، وانتفى عنهما الحب! لا يستطيع ذانك الطفلان الوقوف بين يدي خالقهما والإجابة بأي شيء سوى أنهما «مذنبان»، ولا بد طوال ما تبقى لي من عمر أن أحمل عبء خطيئتهما. وإنني على حق حين أقول إن علي السير في ذلة محنية الرأس خلال ما تبقى لي من أيام. عد إلى منزلك واتركني، يا جيمي. فهذا أمر لا بد أن أخوضه وحدي.»

أخذ جيمي السيدة المكروبة بين ذراعيه وقبلها ثم تركها. لم يكن في يده شيء آخر يفعله. كان ما قالته صحيحا. لا سبيل لإنكاره. ولا مفر منه. ولا توجد كلمات عزاء يمكنه التفوه بها. لكنه عقد العزم على أن يحاول استخدام كل ما قد يكون لديه من تأثير على الشباب الذين يتعامل معهم من أجل التمسك بشريعة الخالق، وقوانين الإنسان، وقوانين الطبيعة التي تحث على عفة وطهارة الجسد.

الفصل الثالث والعشرون

ما زالت المغامرة مستمرة

سلك جيمي طريقه إلى المنزل متعثرا وسط الظلام الذي راح يهبط سريعا. تعثر لأن عينيه كانتا مشغولتين بمنظر ألهاه عن أي شيء آخر، حتى الطريق الذي يسير فيه. فكل ما استطاع أن يراه هيئة فتاة رشيقة ممشوقة القوام ممتلئة المنحنيات، ذات وجنتين متوردتين، وشعر طيرته الريح، ولهيب السخط يتطاير من عينيها الرماديتين البنيتين وهي تجري على الشاطئ بحثا عنه. خطر له أنه ربما كان في صالحه أنها لم تعثر عليه، فربما تتوفر له فرصة أفضل معها إذا تسنى لها مزيد من الوقت لتفكر قبل أن يحاول التحدث معها.

حين وصل إلى المقعد الواقع تحت شجرة الجاكرندا هوى إليه وجلس هناك، رجلا حائرا ومحطما. وراح يفكر في أنه قد تصرف تصرفا متسقا مع الصفة التي اشتهر بها الاسكتلنديون. فقد كبح غضبه وتحين فرصته وانتظر طويلا حتى يضرب ضربته. لكنه حين ضرب، كانت ضربته غاية في القسوة، غاية في العنف. لم تكن ثمة جدوى من محاولة تخيل أي شيء آخر، من التفكير بأي طريقة أخرى. لقد أصبح الموقف بأكمله واضحا أمامه الآن. لا يمكن أن تكون فتاة العاصفة أي أحد سوى مولي كاميرون، ابنة صهر جارته وصديقته. لا يمكن أن تكون سوى معلمة التربية القومية الأمريكية التي تعشقها فتاة الكشافة الصغيرة، وربما ما شهده كان نزهة أعقبت نهاية العام الدراسي مع مجموعة من التلاميذ الصغار. إذ أتى أمامه جمع متألق من الوجوه الصغيرة منها السوداء والسمراء والحمراء، ومنها ما هو بلون الشوكولاتة وبلون النحاس، وجوه أطفال ولدوا في أمريكا متمتعين بجميع حقوق المواطن الأمريكي. ثم جاء الوجه المنهمك للفتاة التي تقبلت الوضع على ما هو عليه إسهاما بنصيبها في سبيل النهوض ببلدنا وأمانها عبر محاولة تشكيل هذه المادة الغريبة واستخدامها لتصبح قوى يستعان بها مع مرور الوقت لتؤدي دورها في المساعدة على الحفاظ على حكومتنا وحمايتها.

بدا لجيمي في تلك الساعة أن الرجال الذين سافروا للخارج من أجل الحرب لم يفعلوا شيئا أنبل، ولا أشجع ولا أهم مما تفعله هذه الفتاة، هذه الفتاة التي تعايش الموقف عن قرب، التي تعد هؤلاء الأطفال الذين يمثلون لأوطانهم البذور التي قد تزدهر وتصبح أشجارا باسقة.

لن تواجهه صعوبة في العثور على فتاة العاصفة الآن. فإنه يعرف اسمها. ولمعرفة مكانها فكل ما عليه أن يسأل مارجريت كاميرون. كما أدرك، أيضا، وهو جالس في العتمة بينما يهب عليه عبير الزهور، وتلوح النجوم المتلألئة من خلال الفروع المتداخلة لشجرة الجاكرندا، التي ظلت طيلة شهور متتالية مغطاة بزهور في زرقة سماء الليل، أدرك لأول مرة حجم الألم الذي كان يمتلئ به قلب فتاة العاصفة يوم أتته وهو جالس بمفرده يحارب معركته على العرش بجوار البحر. كان يظن أنه أمام قلب جريح، مفطور من مشكلاته الخاصة. والآن أدرك أن ما كانت ستشعر به فتاة مثل مولي كاميرون، كيفما عهدها، حيال نفسها هو لا شيء مقارنة بما لا بد أنه قد اعتراها حين استيقظت على الحقيقة المزعجة أن شقيقها التوءم، القريب الوحيد الذي تبقى لها في العالم، هو المسئول عن الحسرة التي تقود أليس لويز كاميرون إلى هلاكها. لا بد أنه قد أثقل على عقل مولي كثيرا اليقين من أن وقوع لولي في مأزق سيودي بعقل العمة مارجريت العزيزة، إن لم يود بحياتها، وهي التي فتحت لهما بيتها حين كانا بلا مأوى ولا صديق ولا مال. استطاع جيمي أن يرى، متخيلا السنوات، كيف شعرت فتاة العاصفة بواجبها نحو امرأة فاضلة مثل مارجريت كاميرون، واستطاع أن يفهم لماذا كانت جزعة لدرجة أنها عزمت على أن تلقي بنفسها في التيار السفلي للمحيط لأنها لم تستطع تدبير المفر، لم تستطع أن تتصور سبيلا لتصحيح الخطأ الذي وقع، حيث امتدت يد القدر التي لا يمكن لقانون أن يتحكم فيها أو يصرفها وصرعت دونالد قبل أن تتاح له أي فرصة لإصلاح الضرر الذي كان سيصلحه قطعا كونه ليس رجلا نذلا. فقد قالت مارجريت إنه لم يكن فتى فاسدا، وقد رغبت أن يسمى ابنه على اسمه.

ظل جيمي جالسا تحت شجرة الجاكرندا حتى وقت متأخر من الليل، وحين بدأ أخيرا يتألم من وجع عظامه جراء البرد، نهض ودخل المنزل. أشعل المدفأة وجلس قبالتها على كرسي مقابل لكرسي سيد النحل ليمد ساقيه الطويلتين مستدفئا بالنيران. وبينما كان قلبه مضطربا وذهنه مشوشا لدرجة استعصاء التفكير منطقيا، تمنى من أعماقه أن يرى سيد النحل. تمنى لو يعود مايكل ورذينجتون إلى ذلك البيت الصغير، وهو الذي ظل سنوات عديدة روحه وحياته، فيستطيع الجلوس ساعة في كرسيه المعتاد بجانب المدفأة ويتشاور معه، ويساعده على أن يجد الأمل والتفاؤل، ويخبره ما الذي عليه فعله للتصالح مع فتاة فاضلة فضلا تعجز الكلمات عن وصفه، حتى إن جيمي لم يجد طريقة يصف بها رأيه فيها.

অজানা পৃষ্ঠা