نظرت الفتاة المرتعبة حولها. كان سبيل الهروب مقطوعا من الخلف، والخرطوم الهادر يتهددها من الأمام. إن غادرت الفرن بالأوراق التي أودعتها فيه دون أن تحرقها فلن يصبح ثمة أمل لإثبات ادعائها، ولا أي فرصة لأي برهان أحضرته معها حتى يؤتي أثره. لا بد أن تحصل على الأوراق أو تنهزم. لكن العفريت الصغير الواقف عند طرف الخرطوم الهادر ... بعزم انحنت على الفرن وبدأت تلتقط الأوراق بيدين مرتجفتين. وفي تلك اللحظة صوب الكشافة الصغير الخرطوم، الذي انطلق بأقصى قوته، على ظهر قفائر النحل الألماني الأسود بالضبط، وظل مصوبا وحاملا إياه حتى اهتزت قوائم القفائر فتدفق منها في حشود مبعثرة أشرس نحل شهده تاريخ تربية النحل يوما. كان الهدف الأبرز أمامه هو الفرن وقد تصاعد منه الدخان، والتلوث الذي انتشر في الجو، أشد أنواع التلوث التي عرفها إثارة للسخط، تلوث من إنسان ينفث عبر كل مسامه رائحة حمض الفورميك؛ رائحة الخوف. بدأ النحل الألماني الأسود يرتفع في الجو محدثا هديرا. فتح الكشافة الصغير صنبور المياه عن آخره وبلغ بفوهة الخرطوم أقصى قوتها وشاهدها وهي تحدث ثقبا في حوض زهور المخملية، وتقتلعها من الأرض. وطغى على هدير النحل، وعلى تدفق المياه، الصوت الأنسب للوجه الذي كان جيمي قد رآه في الليلة السابقة، صوت إنسان وثني صغير عازم على إقامة العدل، وهو يعلو ويجلجل ويقول: «ها قد حوصرت! ها قد أحاط بك من ثلاث جهات! ها هو يحيط بك تماما! الآن ستنالين عقابك! لكنني سأمنحك فرصة واحدة فقط! اتركي تلك الأوراق!»
نظرت الفتاة لأعلى. فمن جانبها كان النحل الإيطالي يهدر على بعد بضع ياردات منها. ومن خلفها وأكثر اقترابا سرب آخر، بينما جعل يهبط عليها من الأمام النحل الألماني الأسود.
فصرخت: «وجه ذلك الخرطوم نحوي!» «احمني بالمياه! صده عني بها!»
فخرج الكشافة الصغير حتى أصبح ظاهرا تماما على أطراف أصابعه محتفظا بالخرطوم حيث كان بالضبط. «هل تريدين مني أن أطلق ذلك الخرطوم على نحلنا، نحلنا اللطيف البريء، الذي يؤدي عمله، ويصنع الأطياب ليغذي بها العالم؟ هذا النحل صديقي! إنني مساعد سيد النحل. وقد أعطاني نصف هذا المكان. تعتقدين أنك ستسرقينه! تعتقدين أنك ستحرقين أوراقه! اعترفي بالحقيقة الآن، وإلا نال منك النحل، وفي ظرف خمس دقائق ستصبحين جثة هامدة ... ستهلكين مثل أي كاذب بل أشد هلاكا! انتبهي! إنه أمامك! اعترفي بالحقيقة! قولي إنك لست ابنة سيد النحل!»
وبينما هي متشبثة بالفرن، ألقت الفتاة نظرة مذعورة حولها. كانت في وسط دائرة من النحل وهي قد سمعت عن النحل الألماني الأسود. وتعرفت إليه بمجرد أن رأته. فقد رأت في طفولتها حدائق النحل حين كانت تسكن منزل سيد النحل. ومن ثم صرخت بأعلى صوتها.
قال قائد الكشافة: «توقفي عن الصراخ!» وتابع: «اعترفي بالحقيقة، في رأيي، عليك أن تعترفي بالحقيقة! قولي: «مايكل ورذينجتون لم يكن أبي».»
وفي تلك اللحظة أصابت أول نحلة من النحل الألماني ضحيتها في رأسها في مكان غير بعيد عن أذنها اليمنى وواصل البقية مهمته.
فصرخت الفتاة: «لا! لا! لم يكن أبي!»
قال الكشافة الصغير: «قولي إنك تحاولين سرقة هذا المكان وإنك لا تملكين حقا فيه.»
اعتدلت الفتاة وحاولت أن تخطو خطوة إلى الأمام. لكن أصابتها نحلة ألمانية سوداء أخرى في جبهتها مباشرة.
অজানা পৃষ্ঠা