মহাকাব্যিক ইতিহাস পণ: গোর্বাচভ কিসের উপর বাজি ধরছেন?
مقامرة التاريخ الكبرى: على ماذا يراهن جورباتشوف؟
জনগুলি
إن سلسلة المآسي التي حدثت أمام أعيننا في أوروبا الشرقية إنما هي نموذج واضح كل الوضوح للأخطاء التي تتفاعل فيها النظرية مع التطبيق، فقد كانت في النظرية ذاتها ثغرات، حاولنا أن نكشف هنا عن بعض من أهمها، هي التي فتحت الباب للأخطاء الفادحة في التطبيق، ولم يعد هناك مجال للقول إن النظرية تظل محتفظة بعصمتها وقدسيتها، وإن من يتبنونها هم وحدهم المدنسون، فلا مفر من العودة إلى الجذور، واستئصال ما جف منها وما ذبل.
وفي تصوري أن جورباتشوف، الذي ينتمي إلى جيل لم يشارك في الأحداث الرائدة الأولى ولم يغرق في جدليات الثورة العالمية أو الثورة المحلية، هو أول زعيم ينظر إلى الاشتراكية بوصفها هدفا إنسانيا رحبا، يمكن أن يتخذ أشكالا متباينة، ولا يتعين حصره في قالب واحد. ومن المؤكد أنه أدرك أن العناد المفرط والثقة الزائدة التي كان يتصرف بها أولئك الذين كانوا يعتقدون أن «حتمية التاريخ» تعمل لصالحهم، هو الذي يمكن أن يقضي على التجربة من أساسها، فجميع تصرفاته تدل على أنه يدعو إلى إدخال عنصر المرونة في النظرية نفسها، إلى جانب العنصر الإنساني في التطبيق.
الفصل الخامس
هل ثبتت رؤية هلال الرأسمالية؟
في كل مجتمعات العالم تحدث تغيرات، وكثير من هذه التغيرات يسفر عن تحولات جذرية في بنية المجتمع، ومع ذلك فإن التغيرات التي حدثت خلال العام الماضي في بلدان الكتلة الشرقية هي التي أثارت اهتمام العالم بوصفها إيذانا بمرحلة جديدة في تاريخ البشرية، وهي التي حفزت الكتاب والمعلقين إلى تجنيد أقلامهم وحشد أذهانهم في محاولة للاهتداء إلى معالم في ذلك الطريق الذي أصبحت العواطف تغلفه بالضباب من كل جانب. وربما كان أحد أسباب هذا الاهتمام، ذلك التماسك الشديد والصلابة الفائقة التي كانت تبدو عليها أوضاع الكتلة الشرقية. ولست أعني بذلك أن الأنظمة الحاكمة في تلك البلاد كانت تستند إلى جبهة داخلية قوية، وإنما الذي أعنيه أن هذه الأنظمة رتبت أوضاعها بحيث تظل متمسكة بالسلطة إلى أجل غير محدود، واستبعدت منذ البدء آليات التغيير السلمي للجهاز الحاكم. ومن أجل هذا السبب بالذات، كان من الطبيعي أن تبدو أية محاولة لتغيير السلطة، كما حدث في الآونة الأخيرة، انهيارا للنظام بأكمله.
لقد تعرض العالم الغربي في العقود الأخيرة من تاريخه لتحولات كثيرة، منها على سبيل المثال وقوف دول أساسية فيه، كفرنسا وإسبانيا، موقفا سلبيا من المشاركة العسكرية في حلفه العسكري الأكبر، حلف الناتو «شمال الأطلنطي»، بعد أن حكمتها في السنوات الأخيرة أحزاب اشتراكية ديمقراطية، بل إن العالم الغربي شهد حالات تحول من النظام الرأسمالي إلى نظام ماركسي صريح، كما حدث في شيلي عند فوز الليندي في أوائل السبعينيات. وفي الولايات المتحدة نفسها، شهد النظام الرأسمالي انهيارا خطيرا خلال الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1929م، وترتبت على هذه الأزمة كوارث اقتصادية هائلة دامت سنوات عديدة، ولحقت أضرارها جميع البلاد المرتبطة بالنظام الرأسمالي. وكانت أوسع التحليلات انتشارا تؤكد أن هذه الأزمة ليست عارضة على الإطلاق، وإنما هي تعبير عن خلل متأصل في بنية النظام الرأسمالي ذاته.
ومن السهل أن يدرك القارئ أن شبح هذه الأزمة ما زال مخيما على العالم الرأسمالي حتى يومنا هذا.
بل إن ظهور الأنظمة الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا واليابان وإسبانيا في فترة ما بين الحربين العالميتين، وكثير من نظائرها وامتداداتها في دول العالم الثالث منذ الحرب العالمية الثانية، هو في رأي الكثيرين تعبير عن أزمة هيكلية في النظام الرأسمالي، ومحاولة غير موفقة للخروج من إسار الأزمة. خلاصة القول أن ما يمر به العالم الاشتراكي من مشكلات خطيرة ليس هو الحالة الوحيدة لظهور أزمة عميقة في هيكل نظام عالمي رئيسي، ومع ذلك فإن الأذهان قفزت مباشرة، في هذه الحالة الأخيرة بالذات، إلى استنتاج سريع هو أن التجربة الاشتراكية كلها قد أفلست، وأنها لم تكن منذ البدء إلا حالة عارضة أو «وعكة» أصابت قطاعا من البشر وسرعان ما تزول ليعود العالم كله رأسماليا كما كان قبل 1917م، فلماذا يصدر المحللون أحكاما كهذه الآن، بينما لم يقل أحد (باستثناء بعض الماركسيين) أن بناء النظام الرأسمالي ذاته كان لا بد أن ينهار بعد الكساد العظيم في 1929م، أو أن الرأسمالية لا بد أن تنبذ لأنها أفرزت، بشكل مباشر أو غير مباشر، أنظمة دكتاتورية كأنظمة هتلر وموسوليني وفرانكو وسالازار؟
أغلب الظن أن الرد على هذا التساؤل يكمن في تلك المرونة الهائلة التي تواجه بها الرأسمالية أزماتها، وفي قدرتها الفائقة على إعادة التكيف بعد كل مأزق خطير تقع فيه، على حين أن الأنظمة الاشتراكية تجمدت وتحجرت إلى حد بدت معه وكأنها إما أن تحافظ على أوضاعها دون تغيير، وإما أن تنهار انهيارا تاما.
وفي وسعنا أن نوضح الفارق بين الاثنين بالمقارنة بين كرة الطاولة (البنج بونج) والبيضة، فالأولى تقفز وترتد سليمة إذا أسقطت أو ضربت، والثانية تنكسر وتسيل بمجرد أن تصطدم قشرتها بأي جسم صلب. وبالمثل فكما أن الرأسمالية تستطيع أن تتخذ ألف شكل وشكل، وتظل مع ذلك رأسمالية، فإن الاشتراكية كما طبقت في أوروبا الشرقية لم تكن تستطيع التخلي عن طابعها الثابت والمتصلب إلا إذا عرضت بقاءها واستمرارها للخطر.
অজানা পৃষ্ঠা