আরব বক্তৃতার অধ্যয়নের জন্য ভূমিকা
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
জনগুলি
إذا تتبعنا حركة النقد الأدبي عند العرب وجدنا أن الباعث على الاشتغال بالأدب والعناية بجمع أشعار العرب، هو القرآن الكريم والمحافظة على لغته التي هي العربية الفصحى الصحيحة. ولم يظهر الإسلام دينا محمديا فقط، بل ظهر دينا عربيا جاء بكتاب عربي مبين، فنهض المسلمون نهضة دينية، ودفعهم إيمانهم بكتابهم وإخلاصهم له إلى دراسة العلوم والفنون المختلفة، ولا سيما علوم اللغة والأدب لفهم القرآن وإدراك أسراره، وتأييد معجزته الإلهية، واهتموا بذلك اهتماما فاق كل اهتمام، فجمعوا الأشعار الكثيرة الجاهلية لصحتها وخلوها من الخطأ اللغوي، واختص بذلك جماعة من الحفاظ والرواة؛ فكبرت منزلة الشعر الجاهلي في نفوسهم، وكان في الحق أن يفضلوه على غيره، وأن يجعلوه قاموسا لهم في العبارة، ونموذجا لهم في الأسلوب، وأن يتحدوا به ما عداه. وكان أكثر علماء اللغة والأدب من علماء الدين؛ فكثر تمجيدهم للقدماء، وخلطوا الغرض الديني بالغرض الأدبي، وقالوا: لا بد من اقتفاء آثار القدماء. وفهموا أن جمال الشعر القديم مبني على الاستعارة والتشبيه، فعرفوا الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى المبني على الاستعارة والتشبيه، إلى آخر ما قالوا. وانصرفوا إلى شرح العبارات والألفاظ، وتشاجروا في حد البلاغة والفصاحة، ولم يتفقوا على شيء اتفاقهم وإجماعهم على تتبع طريقة القدماء؛ ذلك لأن اهتمامهم بالشعر كان يفوق اهتمامهم بالنثر؛ إذ احتجاجهم على صحة اللغة والمعاني كان بالشعر لا غير، وكأنهم فهموا أن أكبر مظاهر البلاغة العربية لا تظهر إلا في الشعر؛ لذلك لم يكن أثر النثر في الأدب العربي كأثر الشعر؛ ولهذا أيضا كان الشعراء أكثر من الكتاب، وكانت كتب النثر سواء في النقد أو في الأدب أقل من كتب الشعر ونقده.
ولعل السبب في الميل إلى الشعر عند العرب أن الباعث على القول في بلاغتهم هو الوجدان والخيال، وذلك أكثر ما يكون جولانا في ميادين الشعر؛ إذ النثر أظهر ما يكون في تقرير الحقائق ورسم النفوس والاجتماع، وذلك ليس من طبيعة العربي في بلاغته؛ لأن العربي - كما قلنا في غير هذا الموضع - مرتجل بطبيعته، ميال إلى البديهة. والارتجال والبديهة لا يصلحان لعمل النثر الجيد المبني على الفكر والتعقل، ومن هنا قل النثر الأدبي عند العرب فيما يظهر لنا .
مع أن كل اهتمام أدباء العرب كان موجها للشعر لا غير، فإن الذي ينظر إلى حالة الشعر العربي لا يجده تغير في جملته. وما يوجد من الفروق بين الأشعار وطرائقها في العصور المختلفة، أكثره أو كله يرجع إلى الاختلاف في الأسلوب والديباجة، وإدخال بعض الألفاظ والعبارات التي لم تكن، ثم اختلاف طرق الخيال باختلاف المنظورات؛ كالفرق بين وصف الصحراء ووصف البساتين، والفرق بين وصف الأطلال والكلام في الخمر. وهذا لا يعد من الأطوار الأدبية المعروفة؛ لأنه مبني على أصل واحد، وهو تقليد القدماء في الشعر الوجداني، فالقديم والحديث من نوع واحد، خصوصا أن الأدباء والنقاد حددوا الموضوعات وقسموها تقسيما نهائيا، ووضعوا القواعد لمن يأتي بعدهم، وحصروا أنواع الفكر والخيال فيما فكر وتخيل القدماء. وكتب النقد والبلاغة مملوءة بذلك. فلم يكن البحث إلا في الأسلوب والعبارات، وحسن الديباجة والفصاحة والبلاغة؛ لذلك قالوا عندما أرادوا أن يتكلموا على أنواع الشعر: من «الشعر الجاف المشتمل على الغريب، ومنه العذب الرقيق السهل، ومنه ما هو «كالفستق المقشر»، ومنه ما دخلته ألفاظ إسلامية، وما احتوى على ألفاظ فارسية وعبارات اقتضتها الحضارة.» وتكاد تكون هذه الملاحظات هي المذاهب الكتابية المعروفة عند العرب.
4
وهذا دليل على أنهم لم يقدروا الجديد قدره، ولم يقولوا بوجوب «التطور» والانتقال؛ فإن من عني بالمحدثين منهم لم ير لهم أثرا في غير الصناعة. قال ابن رشيق: «والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها بأن تجنس أو تطابق أو تقابل، فتترك لفظة للفظ، أو معنى لمعنى كما يفعل المحدثون. ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته، وبسط المعنى وإبرازه، وإتقان بنية الشعر وإحكام عقد القوافي، وتلاحم الكلام بعضه ببعض.» وقال عن المحدثين أيضا: «وليس يتجه البتة أن يتأتى من الشاعر قصيدة كلها أو أكثرها متصنع من غير قصد، كالذي يأتي من أشعار حبيب والبحتري وغيرهما، وقد كانا يطلبان الصنعة ويولعان بها. فأما حبيب فيذهب إلى حزونة اللفظ، وما يملأ الأسماع منه مع التصنع المحكم طوعا وكرها، يأتي للأشياء من بعد ويطلبها بكلفة ويأخذها بقوة. وأما البحتري فكان أملح صنعة وأحسن مذهبا في الكلام، يسلك منه دماثة وسهولة، مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة، وما أعلم شاعرا أكمل ولا أعجب تصنعا من عبد الله بن المعتز؛ فإن صنعته خفية لطيفة، لا تكاد تظهر في بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر، وهو عندي ألطف أصحابه شعرا وأكثرهم بديعا وافتنانا وأقربهم قوافي وأوزانا. ولا أرى وراءه غاية لطالبها في هذا الباب.
غير أنا لا نجد المبتدئ في طلب التصنع ومزاولة الكلام أكثر انتفاعا منه بمطالعة شعر حبيب وشعر مسلم بن الوليد لما فيهما من الفضيلة لمبتغيها؛ ولأنهما طرقا إلى الصنعة ومعرفتها طريقا سابلة، وأكثرا منها في أشعارهما تكثيرا سهلها عند الناس وجسرهم عليها. على أن مسلما أسهل شعرا من حبيب وأقل تكلفا، وهو أول من تكلف البديع من المولدين وأخذ نفسه بالصنعة، ولم يكن في الأشعار المحدثة قبل مسلم إلا النبذ اليسيرة، وهو زهير المولدين كان يبطئ في صنعته ويجيدها» (عمدة، جزء أول، ص83-85).
كل هذا يدل على أن الخلاف لم يكن في اختراع نوع جديد من أنواع الشعر الذي لم يكن عند العرب القدماء، وإنما هو في الأسلوب والديباجة والصناعة لا غير ...
5
على أن المحدثين أنفسهم لم يقولوا إنهم اقترحوا جديدا، أو جاءوا بنوع لم يكن عند العرب، وكل ما قالوه يرجع إلى الخيال الذي يرجع في جملته إلى الشعر الوجداني، ولا يدل على شيء من الأطوار الأدبية، ولا أنبئكم بباب «السرقة في الشعر» وانتشاره في كتب النقد؛ فكم أخذ الأواخر من الأوائل، وكم معنى ابتكره البدوي فأخذه عنه الحضري المحدث، وغير من لفظه لينسبه إلى نفسه. وباب السرقات طويل جدا يدل على أن المحدثين في جملتهم لم يخترعوا ولم يبتكروا. قال عبد العزيز الجرجاني في كتابه «الوساطة»: «والسرق - أيدك الله - داء قديم، وعيب عتيق. وما زال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد من قريحته، ويعتمد على معناه ولفظه. وكان أكثره ظاهر التوارد، الذي صدرنا بذكره الكلام، وإن تجاوز ذلك قليلا في الغموض لم يكن فيه غير اختلاف الألفاظ، ثم تسبب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلب، وتغيير المنهاج والترتيب، وتكلفوا جبر ما فيه من النقص بالزيادة والتأكيد، والتعريض في حال، والتصريح في أخرى، والاحتجاج والتعليل؛ فصار أحدهم إذا أخذ معنى أضاف إليه من هذه الأمور ما لا يقصر معه عن اختراعه وإبداع مثله ... ومتى أنصفت علمت أن أهل عصرنا ثم العصر الذي بعدنا أقرب إلى المعذرة، وأبعد من المذمة؛ لأن من تقدمنا قد استغرق المعاني وسبق إليها، وأتى على معظمها، وإنما يحصل على بقايا؛ إما أن تكون تركت رغبة عنها واستهانة بها، أو لبعد مطلبها واعتياص مراميها، وتعذر الوصول إليها. ومتى أجهد أحدنا نفسه وأعمل فكره، وأتعب خاطره وذهنه في تحصيل معنى يظنه غريبا مبتدعا، أو يجد له مثالا يغضي من حسنه، ثم تصفح عنه الدواوين لم يخطئ أن يجده بعينه، أو يجد له مثلا يغضي من حسنه ...» إلخ (ص166-167).
ومع ذلك فقد لمحوا في نفوسهم الحاجة إلى التغيير والانتقال، فقال الفرزدق في شعر عمر بن أبي ربيعة: «هذا الذي كانت الشعراء تطلبه، فأخطأته وبكت الديار» (أغاني، أول، ص36). ولعل هذا أول من شعر بالحاجة إلى شيء جديد في الشعر قبل مطيع بن إياس، الذي روى خبره صاحب الأغاني، قال: قال مطيع بن إياس: جلست أنا ويحيى بن زياد إلى فتى من أهل الكوفة، كان ينسب إلى الصبوة ويكتم ذلك، ففاوضناه وأخذنا في ذكر أشعار العرب ووصفها البيد، وما أشبه ذلك فقال:
অজানা পৃষ্ঠা