আরব বক্তৃতার অধ্যয়নের জন্য ভূমিকা
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
জনগুলি
12
على أن هذا ليس بمعيب للشعر العربي؛ لأن لكل أمة منزعا، ولكل شعب خيالا خاصا، وطريقة خاصة في التصور والإدراك والصناعة، وشعر العرب في نوعه لا يضارع ولا يجارى في أمة أخرى.
الشعر الجاهلي
الأمة العربية من أذكى الأمم وأصفاها قريحة، وأكثرها استعدادا للرقي. ولكنها انزوت بطبيعة بلادها في جوف الصحراء فرضيت بحالتها، ورغبت في البقاء عليها، واكتسبت من حريتها المطلقة نوعا من الإعجاب، ففخرت على غيرها، وحسب البدوي نفسه أفضل ما يكون إدراكا، وأكمل ما يكون أخلاقا. تعود الحرية في أعماله، فكان كل رئيس قبيلة مقيدا برأي أهله وعشيرته. وكان العربي كريما يجود بكل شيء، وكان سيفه ورمحه ورحله كل ما يملك، يناديه أصغر إنسان باسمه فلان بن فلان، ومع أنه كان ميالا إلى المساواة، وإلى هذا النوع الذي يسمونه الآن «ديمقراطية» كان يرى نفسه قد خص بمزايا ليست لغيره من الأمم الأخرى؛ مزايا في جنسه وأخلاقه، وعاداته ولغته، وكل شيء لديه، فترفع عن الصناعات والأعمال، ووكل ذلك إلى الخدم والموالي والعبيد، وامتاز هو بالشجاعة والكرم والذكاء، وقوة الخيال الشعري، وبلاغة الكلام.
أما العصبية فكانت أشد ما تكون عند العرب، وهي التي حفظت كيانهم، كما أنها كانت من الأسباب التي هاجت الحرب بينهم، فقد كان العربي يجود بكل شيء في سبيل نصرة قومه وعز قبيلته، وهو مخلص كل الإخلاص؛ لأن ذلك أصبح لديه من أغراض الحياة لحفظ نفسه وأهله.
نشأ العربي على هذه الحرية والسذاجة في العيش، ووهبه صفاء سمائه وصفاء قريحته سهولة الكلام، واكتسب من سهولة عيشه الرضا بما لديه، فلم يكن له هذا النوع من القلق في الفكر، الذي يدعو إلى البحث وحب الاستطلاع، وكان يتهاون بضروب الآلام شأن كل شجاع، ولم يكن يهتم بما سيكون في غده، ولا بالبحث والتنقيب في أسرار الحياة، وكل ما يعرف عن حكمائهم وكهانهم جمل تشتمل على نصائح، وعبارات مملوءة بالحكم والعبرة.
هذه الحياة الفطرية بما فيها من البساطة والسذاجة والأخلاق من كرم وشجاعة ووفاء، هي كل الشعر العربي الجاهلي، أو الشعر العربي الجاهلي هو كل ذلك. كان العربي يصف في شعره ما يراه، ويتكلم عما يشعر به في نفسه من عواطف وفضائل، وقد تكلم وعبر عما يجول بخاطره بنفس الشجاعة والإقدام اللذين كانا له في الحياة.
والعرب أكثر الأمم اهتماما بالشعر واشتغالا به؛ فلا تكاد تجد عربيا إلا نطق بالشعر وقال الأبيات والقصائد، سواء في ذلك رجالهم ونساؤهم وبناتهم وصبيانهم؛ لأن الشعر طبيعة من طبائعهم، وسجية من سجاياهم، فما هو إلا أن يحرك نفس العربي داع صغير أو كبير لينفتق لسانه بالكلام البليغ، وليسترسل في القول استرسالا، فيبدع ويغرب، ويستولي على النفوس استيلاء، ويقود الجماعات ويذكي الحروب، ويصلح ذات البين، ويفعل في النفس فعل الكأس.
ذلك لصفاء قريحته ولصفاء جوه، ولسذاجة فكره وبساطة عيشه، ولحاجته إلى الغناء والتفاخر بحسبه، والدفاع عن نفسه وأهله؛ ولأن طبيعة بلاده الجافة ذات الشكل الواحد لم تلهمه ولم توح إليه من أنواع الجمال غير جمال القول بالتعبير عما يجول بخاطره، وإظهار عواطفه إظهارا ساذجا؛ غاب عنه جمال الطبيعة من حقول وخمائل، ومن جبال وتلال مكللة بالأشجار والأزهار، وندر لديه جريان الماء وهدوء الجو، فلم ير إلا الصحراء المحرقة ذات الفضاء اللانهائي - على قول المنطقيين - والنخل المصعد في السماء على شكل واحد؛ فأثر ذلك في خياله، وجعله أيضا لا يعرف التغيير. ولكنه إنسان له نفس ككل النفوس ، تتطلع إلى الكلام والتعبير عما هو كامن فيها، وعما تراه وتفهمه من هذه الحياة، وهي من النفوس الصافية تحب الجمال وتميل إلى فهمه، وليس لها من وسائل الفنون إلا البلاغة، فاندفع بطبيعته إلى الشعر، ووصف طبيعة بلاده، وتفنن في ذكر ما يحيط به، من حيوان وغيره، ووصف كل دقيقة وعظيمة في ذلك، ثم أحب جمال المرأة؛ لأنه كل ما عنده من الجمال، فشبهها بالكواكب والماء الزلال، وتصبب ونسب بها؛ لأنه رأى في الحب تسلية للنفس، وشفاء للغليل، ووسيلة من وسائل الارتياح والسرور، وداعيا من دواعي البلاغة؛ فأكثر من ذكرها في أشعاره، وبدأ قصائده بذلك، وهام بها هيام اليونان بذكر آلهتهم في أشعارهم، فأصبح الغزل طابعا من طوابع الشعر العربي، وأبدع في ذلك أيما إبداع.
1
অজানা পৃষ্ঠা