মুনকিদ
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
জনগুলি
ولكن ماذا يريد أفلاطون على وجه التحديد «بالأمور الحاسمة» أو المسائل الأولى والأخيرة التي تحتاج للجهد المشترك المتجدد، وتتطلب الاستعانة بأدوات المعرفة جميعا حتى يمكن بلوغ الهدف؟ وما هو هذا الهدف الذي يقصده؟
إنه المعرفة الممكنة بحقيقة الخير والشر. وأفلاطون يضيف الشر صراحة ليؤكد أن العلم به ضرورة لا غنى عنها، ولكنه لا يكتفي بهذا، بل يزيد عليها ضرورة العلم «بالمظهر والحقيقة في الطبيعة كلها». فهل معنى هذا أن الهدف من الفلسفة الطبيعية لا يقل أهمية عن الهدف الأخلاقي؟ الواقع أن هذه مسألة غامضة محيرة. وهي تقف بنا على أبواب منطقة مجهولة في فلسفته المتأخرة لا يساعدنا هو نفسه على الدخول إليها. ومع ذلك فقد يخفف من حيرتنا أن أفلاطون يهتم دائما بالطريق أكثر من اهتمامه بالهدف. وهو يفعل هذا في خطابه السابع وفي سائر محاوراته «لأن الفلسفة طريق، والحوار الحر السمح هو إيقاع الخطوات الجدلية على هذا الطريق!»، ومن الطبيعي أن يؤكد مشقة الجهد والوقت اللازم للسير عليه. وعندما يتم «احتكاك» أدوات المعرفة الثلاث بعضها ببعض، عندما تخضع لبحث «سمح» من أناس يتحاورون ويتبادلون الأسئلة والأجوبة «بلا حسد أو لؤم»؛ عندئذ يمكن أن يسطع في أنفسنا نور الفهم. ولا شك أن عودة أفلاطون إلى استخدام صورة النور لا يخلو من دلالة، ولا بد أنه يحمل نصيبا من خبرته في التعليم وتجربته مع الحياة والناس. فالنور لا ينبثق إلا بالجهد المتصل والتعاون السمح المشترك «الذي حرص عليه في أكاديميته!». وشرارة الفهم والمعرفة لا تنقدح إلا بالحوار لا بالكلمة المكتوبة والحرف الجامد. ولو بعث بيننا اليوم لفر مذعورا إلى قبره بمجرد أن يرى آلاف المذكرات المكتوبة ولا يلمح فيها شعاعا واحدا من النور، وآلاف الأدعياء والحاسدين ولا خير عندهم ولا فضل! ومن يدري؟ فربما صرخ بعبارته التي يختم بها حديثه في هذا الموضع من رسالته قبل أن يغلق عليه باب القبر، «ولهذا لن يفكر أي إنسان جاد في الكتابة عن الموضوعات الجادة حتى لا يجعل الحقيقة نهبا لحسد الناس وغبائهم»، وتسأل نفسك: ماذا يفعل إذن بالحقيقة إن لم يكتب عنها؟ ماذا يفعل إذا كانت الكتابات لا تجدي وإذا كانت الظروف لا تسمح بالجهر برأيه؟ ربما كان الجواب هو ما قاله أفلاطون نفسه: يحفظها في ركن ناء من أعماق القلب! •••
ما الذي يسترعي انتباهنا في تحذير أفلاطون من الكتابة والمكتوب؟ إنه شيء «لا عقلي»، قد نحسه ونتذوقه، ولكنه يستعصي على الفهم والتحديد. ومن الصعب أن ندرجه في الظواهر اللاعقلية المعروفة. فليس تصوفا صريحا لأنه ينطوي على هدف عقلي واضح للمعرفة العلمية. ولا هو مجرد تعبير عن فعل المعرفة الخالصة الذي يكون فيه طريق البحث عن الحقيقة أهم من الحقيقة نفسها كما حاولنا أن نفسره. ومع ذلك ففيه شيء من التصوف وشيء من مشقة الطريق وعناء الفعل.
والأمر المؤكد على كل حال أن اللغة - وهي وسيلة التعبير المألوفة عن المعرفة والحقيقة - تعجز عن توصيله. بل إن أفلاطون يقرر عجزها وقصورها، كما ينهى كل إنسان جاد من أن تحدثه نفسه بالكتابة عن «حقائق الأشياء». أهو تبرير لمنهج الحوار الذي سار عليه؟ أم تنبيه إلى جدية الموضوع وصون له عن طموح المتعجلين والأدعياء الذين يسارعون للكتابة في كل شيء، ويتوهمون أنهم فهموه وانتهوا منه بمجرد تقييده بالحروف الميتة؟ أم هو في النهاية درس استخلصه من تجربته مع تلاميذه في الأكاديمية؟ لن نستطيع أن نقطع بشيء في هذه المسألة. ويكفي أن نشعر بالتحذير ونخشع لرهبة النذير، فلعل هذا أن يمنعنا على أقل تقدير من الإسراف في الكتابة التي استشرى وباؤها في عصر الكتب المقررة والمذكرات الركيكة «والحكماء» الذين تبرأ منهم الحكمة ...
لا يكاد أفلاطون ينتهي من هذا الفصل الخاص بنظرية المعرفة حتى يرجع للكلام عن ديونيزيوس، وكأن ما جاء فيه لم يكن إلا محاولة لإقناعنا بأن كل من يكتب عن حقائق الطبيعة لا يفهم عنها شيئا، سواء أكان هو هذا الطاغية أم غيره! ولو حاولنا الاعتذار عنه بأنه أراد بتأليف كتابه أن يساعده على التذكر، فلن يكون ذلك إلا السخف بعينه. فالغرور هو الذي دفعه لما فعل، والتمسح في الفيلسوف أمام الرأي العام هو الذي جعله يقع فيما وقع فيه. وهل يكفي اللقاء الواحد الذي تم بينهما لتلقي العلم؟ ولماذا اكتفى بهذا اللقاء الوحيد لو كانت نيته خالصة له؟ الواقع أنه وجد نفسه عاجزا عن تغيير حياته وسلوكه بما يتفق مع الحكمة وواجباتها المضنية، ولو كان مخلصا - في زعمه - لما أمكنه أن يهين الرجل الذي هو الدليل والحجة في هذا الأمر.
وهكذا يستطرد أفلاطون في الرواية عن رحلته الثالثة إلى صقلية. ولا يحتاج هذا الجزء إلى شرح أو تفسير؛ فسيرى القارئ أن الخطر كان يهدده من كل ناحية، وأن تدخل أصدقائه الفيثاغوريين كان ضرورة ملحة، ثم يأتي الحديث عن لقائه بديون في أوليمبيا، ولا يستطيع الفيلسوف أن يحول بين ديون وحلفائه وبين اللجوء للقوة، ولكنه يمتنع عن تقديم أية مساعدة إيجابية. لقد جروا على أنفسهم كل الكوارث التي أصابتهم منذ ذلك الحين. بل إن الجناية لتعود في النهاية إلى ديونيزيوس؛ لأن ديون لم يكن يستحق المصير الذي انتهى إليه. كانت مقاصده نبيلة، ولم يكن مجرد مثالي أعمى. ولكنه أساء تقدير الواقع، واستهان بالأخطار المحدقة به: «لقد كان يعرف أن الذين تسببوا في سقوطه أشرار، أما مدى فظاظته وخستهم وجشعهم فذلك هو الذي غاب عنه»، وهكذا راح ديون شهيد الفلسفة ... حاول أن ينقذ البشر لكنهم عجزوا كالعادة عن إنقاذ أنفسهم ...
وتأتي الخاتمة فتحاول أن تبرر إقحام تجاربه في النصيحة الموجهة إلى أتباع ديون. ومع أنها نصيحة بلا أمل، فإن الأمل الوحيد الذي يعبر عنه في النهاية هو أن تكون مبررات «الورطة» كلها مقنعة ...
وهكذا تنتهي الرسالة السابعة المشهورة. فهل ينتهي معها الأمل في «الإنقاذ»؟ هل كتب على الفلسفة أن تحصد المر من صراعها الدائم مع الواقع؟ أم علينا أن نجرب المحاولة دون أن يخذلنا اليأس؟ هل نظل ننتظر «المنقذ» أم يجب علينا أن نبدأ بإنقاذ أنفسنا؟ وكيف ننقذها إن لم نتعلم كيف نغيرها ونحولها ونربيها على مشقة التفلسف وواجباته؟ ألم تكن هذه هي رسالة المربي اليوناني الكبير وغيره من المربين العظام؟ وماذا نفعل نحن اليوم بعد أن استفحلت الكارثة وأصبحت الفلسفة نفسها في حاجة إلى الإنقاذ من أيدي الأشرار الذين يتسلطون ويزورون ويغدرون باسمها؟ من ينقذها من التفاهة والعقم والخراب حتى يتسنى لها أن تنقذ المدينة وتحرسها؟!
وأخيرا فقد اعتمدت في هذا النص على الترجمتين الألمانية والإنجليزية اللتين قد قام بهما والتر هاملتون
5
অজানা পৃষ্ঠা