মুনকিদ
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
জনগুলি
ما من أحد منا خالد. ولقد مات ديون ميتة رائعة: «وإنه لشيء جميل وجدير بالسعي إليه في كل الأحوال أن يتحمل المرء كل شقاء يصيبه به القدر، مهما تكن وطأته ثقيلة، في سبيل كفاحه لبلوغ أسمى الخيرات لنفسه ووطنه.» فهل استجاب حقا لتعليم أستاذه؟ هل جنى عليه الأستاذ دون أن يدري؟ أم كان الذنب أخيرا هو ذنب «الحلم»؟ فعل ديون كل ما يستطيع ليغير الطاغية، لكن هل تتجه النفس إلى الخير إذا لم تك خيرة بطبيعتها؟ نفاه الطاغية وأهان أستاذه، فانتقم منه وحرر الجزيرة منه ليصبح طاغية مثله! قتل أخلص أعوانه، نشر الخوف والرعب، نسي على عرش السلطة ما لا ينسى من تعليم الأستاذ: «لا يجوز لصقلية ولا لغيرها من المدن أن تخضع للسلطة المطلقة أو الطغيان الفردي، بل يجب أن تخضع لحكم القانون، فالسلطة المطلقة مضرة بالحكام والمحكومين، وهي مؤذية لهم ولأبنائهم وأبناء أبنائهم؛ لأن مثل هذه التجربة لا بد أن تؤدي إلى الخراب ...»
لكن المعلم يتحسر على مصير تلميذه، «الذي كانت لديه الرغبة الحارة في تحقيق العدالة.» يعتذر عنه بأنه «لو تمكن من تدعيم حكمه لبدأ على الفور بتزويد مواطنيه بأفضل وأنسب ما يستطيع من قوانين.» هل يجهل أفلاطون أم يتجاهل أنه سرعان ما تحول إلى طاغية قاس؟ هل تمنعه عاطفة الحب من الاعتراف بأنه أهمل تعاليمه؟ أم إن بذرة التسلط كانت كامنة في هذه التعاليم؟ يبدو أن قلبه يمنعه من سماع صوت العقل، أو أن هدف الرسالة السابعة كلها - وهو تبرير رحلاته والدفاع عن فلسفته ومدرسته - يحول بينه وبين السير في الاعتراف إلى آخر مداه. ها هو يلقي الذنب على أكتاف المجهول: «ولكن يبدو - بعد أن تحولت الأمور على هذه الصورة - أن روحا شريرا (أو ربة من ربات الثأر) قد هاجمنا واستطاع بما جبل عليه من احتقار القانون والدين وبما هو أسوأ منهما من رعونة الغباء أن يقلب كل خططنا ويفسدها للمرة الثانية.»
ويتذكر الصديق المسكين الذي يحتل من قلبه أغلى مكان. وينصح أصدقاءه وأتباعه بأن يقتدوا به في حب الوطن، ويهتدوا بحياته التي اتسمت بالبساطة وضبط النفس، ويحاولوا تحقيق أهدافه - التي هي نفس أهدافه! - في ظل ظروف أنسب. صحيح أنه يؤكد لهم ضرورة احترام القانون الذي يكفل الحقوق المتساوية للجميع، ولا بد أن يخضع له الفريق المنتصر قبل الفريق المهزوم، بل ينصحهم باختيار مجموعة من حكماء اليونان لوضع هذه القوانين. فهل أنسته عاطفة الحب لصاحبه أنه تجاهل المبادئ التي عمل معه على تحقيقها «مدفوعين بالحب لأهل سيراقوزة»؟ هل صحيح أن «قدرا يفوق قدرة البشر» هو الذي حال دون نجاح خطتهما؟
ويواصل الاعتذار عن «ديون» والتحسر عليه، فقد كانت آراؤه «هي نفس الآراء التي يفترض في وفي أي إنسان عاقل أن يعتنقها.» لقد وضع نصب عينيه ألا يصل إلى السلطة وأسمى الوظائف إلا عن طريق التفاني في خدمة الصالح العام، وكان هدفه وضع دستور حقيقي وإقامة قوانين طيبة عادلة تنفذ بغير قتل أو إعدام أو نفي. فهل هذا كان حقا هو المثل الأعلى الذي وضعه ديون لنفسه مؤثرا تحمل الظلم على اقترافه؟ هل غاب عن المعلم أن تلميذه أغرق يديه ومثله الأعلى في الدماء؟ وهل كان سبب سقوطه أنه انخدع في المدى الذي وصلت إليه خسة الأشرار الذين لم يغب عنه أنهم أشرار؟ كالملاح البارع الذي يتوقع هبوب العاصفة، ومع ذلك تداهمه بقوتها وعنفها المفاجئ فتغرقه؟ أم إن القلب المحب يصعب عليه الاعتراف بأن «الحلم المنقذ» بحاجة إلى إنقاذ؟ وأن طريق «الحكمة» أشق مما تصور المعلم والتلميذ؟!
هل المسئول ديونيزيوس؟
لقد تعب أفلاطون وديون في توجيهه نحو الخير. بذلا له النصيحة تلو النصيحة ليبدأ بتغيير حياته من أساسها. لكن عبثا يحاولان علاج مريض يصر على رفض تعاليم طبيبه. عبثا تكره إنسانا على شيء يأباه طبعه. فالخير يسعى للخير، وطريق الحكمة وعر، درب يرقاه السالك بالعرق المر، تحويل النفس برمتها نحو الخير، هل تصلح نفس جبلت من طين الشر؟
علماه أن يصادق نفسه. فالذي لا يحب نفسه لا يحب غيره. لكن كيف يصادق طاغية نفسه؟ كيف تعرف الصداقة طريقها إلى قلبه؟ إنه عدو نفسه الأول. ولهذا فهو عدو الناس جميعا، والناس جميعا أعداؤه، إن لم يجدهم في الداخل فهم وراء الحدود، وإن لم يهددوه من الخارج فكل من حوله يهدده: الذئب يهاجم أو ينتظر هجوما ...
نعم، لقد دعا الفيلسوف لضيافته. واستقبله بالترحاب اللائق والتكريم. لكنه لم يدع فكره وحكمته، بل أراد أن يستغل سمعته، أن يباهي به أمام الرأي العام الإغريقي، أن يجعله زينة قصره، تحفة تحفه، أن يروي الناس ويحكي التجار وملاحو السفن بأن ديونيزيوس صاحب أفلاطون، بل يفهم عنه أيضا ويحاوره في آرائه! فإذا همس رجال الحاشية بأن أفلاطون يريد أن يوقعه في سحر الفلسفة، ويشغله عن واجبات الحكم، أسرع بحبسه في برج لا يخرج منه إلا بإذنه، ولا يستطيع الملاحون أن يأخذوه منه إلى وطنه ...
وتردد الشائعات أن الطاغية تحمس فجأة للفلسفة! وتصله الرسائل التي تؤكد - حتى من أصدقائه الفيثاغوريين في تارنت - أنه تغير وغير نفسه، وأنه عازم على سلوك الحق والفضيلة. ويصدق الفيلسوف على الرغم من سوء ظنه به وبحماس الشباب الذي يشتعل فجأة ويخبو فجأة. ويسرع إليه على أمل أن تتحقق الفرصة الأخيرة ويصنع منه تمثال الحاكم الحكيم. لكن الطينة نجسة، وغناء الضفدع لا يحلو إلا في قلب المستنقع. ها هو ذا قد أخلف وعده، لم يستدع ديون من منفاه، لم يرسل إليه نصف دخله كما تعهد على نفسه، والأدهى من هذا أن المتعطش للفلسفة لم يكلف نفسه عناء لقاء الفيلسوف إلا مرة واحدة! مع هذا سوف يشيع بين الناس أنه يحبه ويفهمه، بل سينشر كتابا يعرض فيه مذهبه! ...
كيف تجرأ أن يفعل هذا مع أن صاحب المذهب يؤكد أنه لم يفكر يوما في كتابة شيء عنه؟ لقد آمن دائما بأن «حقائق الطبيعة» و«القضايا الأخيرة» تستعصي على التدوين في الكلمات الجامدة والحروف الصماء. فالفلسفة طريق وحوار حر، نور ينبض فجأة، في نفس خيرة سمحة، وهنالك ينمو ويعيش. ولو تصور أن نشر أفكاره يمكن أن ينفع الناس، فهل كان يتردد عن تقديم هذا المذهب الذي ينقذهم من بؤسهم ويبين لهم حقائق الأشياء؟ أكان هنالك عمل أجمل أو أنبل من هذا العمل؟ لكن القلة القليلة هي التي ستفهمه على الوجه الصحيح، أما الكثرة فلن يصيبها منه إلا الأذى والاضطراب، «ولهذا لن يخاطر إنسان جاد بوضع أفكاره في ثوب اللغة الضعيفة، وأولى من ذلك ألا يخاطر بوضعها في ذلك الشكل الجامد الذي يميز كل ما يكتب بالحروف.»
অজানা পৃষ্ঠা