Munkarat al-Afrah (Evils of Celebrations)
منكرات الأفراح
জনগুলি
منكرات الأفراح
تأليف
غانم غالب غانم
راجعه
د. محمد عساف
رئيس دائرة الفقه والتشريع - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة القدس
অজানা পৃষ্ঠা
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: ١٠٢).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (النساء: ١)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). (الأحزاب: ٧١،٧٠)
أما بعد:
فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإن مما لا شك فيه أن موضوع المنكر بشكل عام ينبغي أن يكون في اهتمامات كل مسلم غيور على دينه، لأن المسلم الحق إذا علم
1 / 2
المنكر ابتعد عنه خوفا من أن يغضب ربه، ويقع تحت طائلة العذاب «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)» (الشعراء: ٨٩،٨٨).
والمشكلة الكبيرة أن يصبح المنكر أمرا طبيعيا عند المسلمين، وأن يقره العرف، بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك، فإن الأعراف اليوم تستنكر الكثير من الأفراح التي تقل فيها المنكرات، بحجة أن الفرح لم يواكب التقدم الحاصل في الأفراح، دون النظر في كونه حلالا أم حراما.
وقد كنت من سنوات أحب أن أجمع رسالة في منكرات الأفراح، لأن الزواج آية من آيات الله تعالى، التي تدل على كمال قدرته في التأليف بين القلوب، وتكثير الشعوب، وهو من نعم الله العظيمة، ولا يخلو بيت من بيوت المسلمين إلا وفيه في يوم من الأيام فرح.
فلا بد أن يكون هذا الفرح نظيفا من المنكرات التي تغضب الله تعالى.
ومن هنا جاءت هذه الرسالة لتوجه الناس نحو ما يحبه الله ويرضاه في أفراحنا التي ينعم الله بها علينا «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (إبراهيم: ٣٤).
فكثير من الناس يطلب النعمة دائما فإذا حصل له ما يريد أدار ظهره لأوامر الله تعالى، ولم يحسن شكر هذه النعمة، عدا عن توظيفها فيما يحبه الله ويرضاه.
وقد حاولت أن أجمع ما أستطيع من هذه المنكرات التي تفعل في أفراح المسلمين، سواء بالرجوع إلى الكتب الحديثة والقديمة، وشبكات المعلومات، أو ما نسمعه ونشاهده في حياتنا اليومية، أو ما يحدثنا الناس عما شاهدوه وسمعوه في أفراح المسلمين.
ولا يمكن لي أن أدعي أني جمعت كل المنكرات في هذه الرسالة،
1 / 3
لأن الذي يحيط بكل شيء إنما هو الله ﵎" وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " (البقرة: ٢٥٥)، سيما وأن هذه المنكرات تختلف من بلد لآخر، عدا عن كونها تختلف من دولة لأخرى.
وقد حاولت أن يكون أسلوبي فيه سهلا، بعيدا عن التأصيل العلمي، وذكر الخلاف في المسائل الفقهية، وذلك لأمرين:
الأول: الاختصار، وتوصيل المعلومة بأقصر الطرق مع الدلالة على المطلوب إن شاء الله.
الثاني: إن الكتاب موجه لعامة الناس، وربما يمل بعض الناس من قراءة الآراء الفقهية وأدلة كل فريق في كل مسألة، ومناقشة الأدلة، ثم الترجيح، بل يحبون الوصول للمطلوب بشكل مباشر.
ولكني كنت أرد أحيانا على بعض الشبهات التي يناقش بها الناس مما يسمعونه في بعض الفضائيات، التي تحاول أن تسهل المنكر في حياة الناس، فتعلقهم بشبهات واهية، أو تستضيف بعض الشخصيات المتأثرة بالفكر الغربي، والآراء الدخيلة على الإسلام، وغالب هذه الشخصيات هم من المفكرين الذين لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، فيلبسون على الناس أمر دينهم.
ورغم عدم وجود الكتب المتخصصة في هذا الموضوع فيما أعلم، إلا أن الكتابة فيه ليست صعبة لأن مفرداته موجودة في بطون الكتب الفقهية التي يعرفها طلاب العلم.
وقد عثرت قبل الكتابة في الموضوع، على ثلاثة أبحاث في ذات الموضوع استفدت منها استفادة كبيرة:
الأول: للشيخ عبد العزيز الغامدي.
الثاني: للشيخ ندا أبو أحمد، وكلاهما على موقع صيد الفوائد
الثالث: للطالبة نور كراجة، مقدم للدكتور موسى البسيط في كلية
1 / 4
الدعوة وأصول الدين.
وقد حاولت في هذه الرسالة أن أستقصي المنكرات التي تحصل في كل مرحلة من مراحل العرس:
فتحدثت عن المنكرات قبل العرس، وفي الخطبة، وعند العقد، وفي أثناء العرس (وهي أكثرها)، وختمت ببعض المنكرات التي تحصل بعد العرس.
وقبل الختام فإني أتقدم بالشكر الجزيل لكل من قدم لي النصح في إخراج هذه الرسالة على أكمل وجه، وأخص بالذكر:
أستاذي الفاضل: الدكتور محمد عساف.
والأستاذ الفاضل عبد الله سلامة.
وكلا من الأخوة:
حسن مفارجة، محمد عليان، حسن معتوق، كنعان سحويل، تامر سحويل، فجزاهم الله عنا كل خير.
وفي ختام هذه المقدمة أسأل الله سبحانه أن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا، وأن يجعل عملنا وعلمنا خالصا لوجهه الكريم، لأن الكُتّاب في هذا العصر كثر، وقلة هم الذين يكتبون لله:
وما من كاتب إلا سيفنى ... ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
واسأله سبحانه أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن ينفع بهذا الكتاب عباده، وإن أصبنا في هذا الكتاب فمن الله وحده لأنه صاحب الفضل دائما وأبدا، وإن وقع فيه زلل فمنا ومن الشيطان ونسأله ﷾ أن يغفر لنا.
1 / 5
وأقول لمن يقرأ هذا الكتاب:
بالله يا ناظرا فيه ومنتفعا ... منه سل الله توفيقا لجامعه
وقل أنله إله العرش مغفرة ... واقبل دعاه وجنب عن موانعه
وخص نفسك من خير دعوت به ... ومن يقوم بما يكفي لطابعه
والمسلمين جميعا ما بدا قمر ... وكوكب مستنير من مطالعه
غانم غانم
إمام مسجد ديرابزيع- رام الله
٢٠/جمادى الأولى/١٤٣٢هـ.
٢٣/نيسان/٢٠١١م.
1 / 6
تمهيد:
تعريفات:
المنكر: ضد المعروف وكلُّ ما قبحه الشرع وحَرَّمَهُ وكرهه فهو منكر، وفي التنزيل: «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا» (الكهف: ٧٤) (١).
والمنكر عند أهل الأصول هو الحرام، لذا فإني لم أجد من علماء الأصول من عرف المنكر تعريفا اصطلاحيا، لأنهم يكتفون بتعريف الحرام، على اعتبار أن كل منكر: حرام، وكذلك كل حرام: منكر.
فالحرام عند علماء الأصول: ما لا يحل فعله ويكون تاركه مأجورا مطيعا، وفاعله آثما عاصيا (٢).
وأما الفرح: فهو نقيض الحزن، وهو أن يجد في قلبه خفة، والفرحة: المسرة. (٣)
ولا شك أننا عندما نتحدث عن منكرات الأفراح نقصد بذلك المعاصي والآثام التي يقترفها الناس في أفراحهم، والتركيز هنا على موضوع الأعراس على وجه الخصوص، وإن كانت الأفراح
_________
(١) لسان العرب: ٢/ ٥٤١، مادة: نكر
(٢) الإحكام لابن حزم: ص ٣٦٥.
(٣) لسان العرب: ١٤/ ٢٨٢، مادة: فرح
1 / 7
الأخرى يرتكب فيها من المعاصي ما يرتكب، إلا أن العرس هو المقصود في حديثنا هنا.
«ونبلوكم بالشر والخير فتنة»:
لقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا وجعله في اختبار دائم يستغرق وقته وحياته، حتى يميز الله الخبيث من الطيب، فيبتلى المسلم بالمصائب والمحن، ويبتلى بالفقر وقلة الرزق، ويبتلى بالشهوات وأعظم من ذلك الشبهات، وأكثر من ذلك أن يستهزأ به لأنه مؤمن، أو ملتزم بدينه وهو يرى أهل الباطل والفسق ينتفشون ويكبرون، ويتسابق الناس في صنع الأمجاد لهم.
إلا أن الكثير من الناس يظنون أن الفتنة والاختبار الإلهي إنما يكون في المصائب فقط، وإن شئت فقل: في الشر، وقد وضح الحق سبحانه في كتابه أن الفتنة تعم الأمرين: الخير والشر، فقال سبحانه: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» (الأنبياء: ٣٥).
ومن ظن أن فتنة الشر أعظم وقعا على النفس من فتنة الخير فهو مخطئ، فالمصيبة تحتاج من الإنسان إلى الصبر، ولكن اختبار الخير يحتاج من المسلم إلى الشكر، وإلى توظيف هذه النعمة فيما أمر الله به، أو على الأقل فيما لا يسخط الله.
ولعل الزواج واحد من هذا، فهو من النعم العظيمة بل هو من آيات الله تعالى التي تدل على قدرته، فيتزوج الإنسان ويفرح ويسكن لزوجته ويكون بينهما المودة والرحمة والأولاد وحسن العشرة.
فهل يليق بكل هذه النعم التي ينتجها الزواج أن يقابل المنعم سبحانه بكفرانها، وأن تُشكر بمعصية الله تعالى؟
والله الحق سبحانه يقول: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
1 / 8
عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: ٧).
ولا شك أن تهاون الناس في مثل هذه المنكرات جر على البيوت العديد من الويلات، ولعل هذا يكون واحدا من أسباب الفشل في الحياة الزوجية، لأنه لا يمكن للمعاصي أن تأتي بخير بل كل المصائب التي تصيب الإنسان والشرور التي تلحقه سببها المعاصي والآثام، قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» (الشورى: ٣٠).
أسباب منكرات الأفراح:
لعل السبب الرئيس للمنكرات بشكل عام: هو ضعف الوازع الديني عند الناس، مما أدى إلى استهانتهم في الوقوع في سائر المحرمات، وما عاد الكثير من الناس يحركهم الدين في الحياة، فصار الكثير من الناس يأخذ من الدين ما شاء ويدع ما شاء، فصار الدين كالفاكهة، إن أحبها أكلها وإن كرهها تركها، أو يختار من أصنافها ما يشاء، حتى صدق عليهم قول الحق ﵎: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ» (الجاثية: ٢٣).
فصحيح أنه يصلي، إلا أنه في عرسه فعل المنكرات، وشرب المسكرات، وأغضب رب الأرض والسموات، وما ردته صلاته عن المعصية والعياذ بالله.
ولعل من أسباب منكرات الأفراح بشكل خاص (١):
_________
(١) بدع ومنكرات الأفراح للشيخ ندا أبو أحمد، بحث منشور على موقع صيد الفوائد: مقدمة البحث.
1 / 9
أن الناس يظنون أن يوم الفرح لا حساب عليه، ويردد الكثير منهم عبارة: هو يوم في العمر، حتى يتسابق العديد منهم أيهم يسبق ويزيد ولو بالمعاصي والآثام، بحجة المباهاة وأن فرح آل فلان ليس أفضل من فرحي فيحصل منهم الغيرة في الباطل فيتسابقون عليه، وقد بين الحق سبحانه أن الفرح الحقيقي إنما يكون بما عند الله، قال الله ﵎: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: ٥٨).
ولقد غفل هؤلاء أن المسلم الحق هو الذي ينضبط في أفراحه وأحزانه بمنهج الله تعالى.
وأن المؤمن الحق هو الذي يعرف بإيمانه في هذه الأوقات.
ومن أسباب منكرات الأفراح أن الأمة الإسلامية اليوم أمة مقلدة تحب كل شيء مستورد من ركام الغرب وفضلاته، فما يأتي إلينا من تحلل وسفور، واختلاط ومجون، وشرب خمور نتسابق لتطبيقه دون النظر في حله وحرمته، ودون سؤال لأهل العلم عن حكمه.
وقد صدق في العديد من الناس اليوم قول رسولنا ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ» رواه البخاري: ٣٤٥٦.
وليعلم هؤلاء خطورة التشبه بالكفار، لما يجره ذلك من ويلات على الأمة الإسلامية جمعاء في الدنيا والآخرة، «ومن تشبه بقوم فهو منهم» كما قال رسولنا ﷺ» رواه أبو داود: ٤٠٣١، وقال الألباني: حسن صحيح.
1 / 10
العزوف عن الزواج وأضراره
لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه، فقال ﵊ في وصيته المشهورة للشباب: «يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه البخاري: ١٩٠٥، ومسلم: ١٤٠٠.
وقد أمر الإسلام بتسهيل سبل الزواج حتى يكون في متناول كل محتاج، فحث على عدم المغالاة في المهور.
كما شنع النبي ﷺ على من أراد أن يتبتل بحجة الانقطاع لأعظم شيء في هذه الدنيا، للشيء الذي خلق الله العباد من أجله، ألا وهو العبادة.
ويتضح ذلك جليا في قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي ﷺ يسألون عن عبادته كما يرويها الإمام البخاري في صحيحه (٥٠٦٣): من حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ قالُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا، كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
1 / 11
فترك الزواج مخالفة لسنة النبي ﷺ، وفيه من المضار ما فيه خصوصا، ونحن نعيش في زمن كثرت فيه الفتن، وتبرجت النساء، وقل الحياء، فمن أراد أن يحصن نفسه فعليه بالزواج.
والغريب أن الغرب يحذرون من خطورة الزواج المبكر، وينشرون الكتب، والمقالات عن ذلك، بل ويساعدون الجمعيات والمؤسسات المصطنعة التي تدعم موقفهم.
نجدهم يجيزون في بلادهم الزواج المبكر، بل إن المفهوم من قوانينهم الحث عليه.
فمثلا: سن الزواج للفتيات في كل من فرنسا ورومانيا وبلجيكا واليابان: هو سن الخامسة عشرة.
وأما إيطاليا فتجيز المحكمة عقد الزواج على فتاة سنها الرابعة عشرة، بل إن بريطانيا وإسبانيا والأرجنتين حددت سن الزواج بالثانية عشرة للفتاة. (١)
ويتبين من مخططاتهم أنهم يريدون بذلك هلاك المجتمع في بلادنا، لأن أفكارهم وتوجيهاتهم تحذر من الزواج المبكر، وتحث النساء على التبرج.
فماذا يكون حال المجتمع إذا أصغى لمثل هذه الأفكار؟
إنه مجتمع تنتشر فيه الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وخاصة: جريمة الزنا وما تجره من نتائج على المجتمع، من: أولاد الحرام، وقلة الأسر وغير ذلك.
فأنا أقول أنه ليس هناك حجة من ترك الزواج إلا الفقر وعدم
_________
(١) شرح قانون الأحوال الشخصية للأشقر: ص٥٦.
1 / 12
الاستطاعة، وأما ما يمليه الناس من حجج فليس لها من الواقع رصيد: من إكمال الدراسة، أو لا يزوج الصغيرة قبل الكبيرة، أو المغالاة الكبيرة في المهور التي تبعد الرجال عن الزواج.
فعلى الجميع أن يسهلوا أمور الزواج وييسروا سبله، حتى يعيش المجتمع براحة واستقرار.
1 / 13
المبحث الأول: منكرات قبل الزواج
المطلب الأول: الرغبة عن ذوات الدين
حث الإسلام أن يتزوج المسلم الزوجة ذات الدين، صاحبة الصلاح والتقوى، فهي خير متاع يتمتع به المسلم في دنياه، كما قال النبي ﷺ: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» رواه مسلم: ٢٦٦٨.
وقد بين النبي ﷺ حال الرجال، ورغبتهم في صفات الزوجة المستقبلية، فمنهم من يبحث عن نسب قد يكون تافها ليسد ما عنده من عجز في شخصيته.
ومنهم من يبحث عن مال ما هو في الحياة إلا زينة وليس قيمة، ومنهم من يبحث عن جمال قد يتهاوى بعد فرحه بأيام عندما تكشف الحياة الزوجية عن طبيعتها، فهي ليست مجرد خيال وآمال، طموح وتطلعات، جنس وفراش.
بل إن في الحياة الزوجية ما فيها من التعب والعناء والمشقة، وتربية الأولاد التربية الصالحة، والتنشئة الصحيحة.
قال النبي ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه البخاري:٤٧٠٠، ومسلم:٢٥١٨.
وإذا كان ينبغي للرجل أن يبحث عن ذوات الدين، فينبغي أيضا للمسلمة أن تبحث عن الرجل الصالح، عن المسلم التقي النقي، صاحب الخلق، كما أمر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى، قال ﷺ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا
1 / 14
تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ» رواه الترمذي: ١٠٨٤، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
والرغبة عن ذوات الدين، ورغبة المسلمة عن المسلم الصالح يستحق بحق أن يكون من منكرات الأفراح، لما يجره على الأمة من الويلات الكثيرة، من حياة زوجية مليئة بالنكد والمشاكل، وأولاد سوء تربوا على أيدي والدَين منحرفين.
ونحن نرى في هذا الزمن والله المستعان من يتساهل في هذا الأمر كثيرا، فيزوج الرجل ابنته من تارك الصلاة وهو يعلم أن أمره دائر بين الكفر والفسق والعياذ بالله، ومن شارب الخمر، كما نرى ونشاهد.
وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا فيزوج ابنته من رجل يسب الذات الإلهية ويسب دين المسلمين والعياذ بالله، فعدا عن كون الزواج باطلا لأن الزوج كافر بمسبته هذه، فماذا سيكون مصير الأسرة إذا كان الرجل فيها يسب الذات الإلهية؟
وفي المقابل قد ينسى الرجل صفة الخلق والدين في المرأة التي يريد خطبتها، في مقابل الجمال، أو المال، أو غير ذلك، مما يؤدي إلى أسرة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
وكم ندم الرجل، وكم ندمت المرأة في مشاهد حية من المجتمع عندما لم يبحثوا عن هذا الأصل الأصيل.
1 / 15
المطلب الثاني: العلاقات المحرمة قبل الزواج
يبدو أن الكثير من المسلمين فقدوا الغيرة على أعراضهم، فسمحوا لبناتهم أن يخرجن متبرجات، وأن يكلمن الرجال، ويصافحنهم، وقد يقر البعض صداقة ابنته مع بعض الشباب، بحجة الانفتاح والاستفادة من الثقافات أحيانا، والحرية الشخصية أحيانا أخرى.
وبذلك يكون حديث النبي ﷺ له من الواقع الرصيد الكبير، عندما قال ﵊: «ثلاثة لا ينظر الله ﷿ إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث» (رواه النسائي: ٢٥٦٢، وصححه الألباني).
والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله ولا يغار على عرضه (١)، فينبغي على كل مسلم غيور، وعلى كل شهم، أن يكون عرضه مصونا محفوظا، محل الثناء والتقدير، ولا يكون مرتعا لفساق الناس.
بل لا يقف الأمر عند هذا، فإن المسلم الغيور ليخاطر بحياته، ويعرض نفسه للخطر إذا حاول أحدهم أن يعتدي على عرضه.
وقد مدح النبي ﷺ أمثال هذا عندما قال: «من قتل دون أهله فهو شهيد» رواه الترمذي:١٤٢١، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
وقد أقر النبي ﷺ غيرة سعد في أهله، فعَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ (أي بحد السيف لا بعرضه) فَبَلَغَ ذَلِكَ
_________
(١) فتح الباري: ج ١٧/ص٩٧.
1 / 16
النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» رواه البخاري: ٦٨٦٦.
ومما يعين على ذهاب الغيرة من النفوس تلك الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة التي تدعمها ثلة مجرمة من الحاقدين على الإسلام وتعاليمه وأهله المخلصين.
ونحن نعيش في زمن اختلطت فيه المرأة في معظم مجالات الحياة بالرجال: في المؤسسات، وفي الدوائر الرسمية وغير الرسمية، وأوسع من ذلك في دور العلم والجامعات.
وتخطئ الكثير من الفتيات عندما يقرأن لكاتب غربي، أو لرجل مهووس من المسلمين ممن تأثروا بالثقافة المنحرفة (وهم في هذا الزمان كثير)، أن الزواج لا ينجح إلا إذا كان قبل ذلك علاقة مفتوحة بينها وبين ذلك الرجل الذي تريد أن تتزوج منه، حتى تدرس أفكاره، وتتعرف على شخصيته كما يزعمون.
وقد بين القرآن أن الزواج الناجح هو الذي تنشأ العلاقات فيه بعد الزواج لا قبله، كما يفهم من قوله تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم:٢١).
فبعد الزواج يكون السكن، وبعد الزواج تكون المودة والرحمة.
وأما الحب المنشود الذي يبحث عنه الكثير من الشباب والفتيات فما هو إلا سراب، وقد سمعنا بعض هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن مثل هذا الحب، يخالف قولهم فعلهم ولتبصر الفتيات شهاداتهم:
هم يريدون علاقات محرمة، ولكن كلهم لا يقبل هذه العلاقة لأخته، أو أمه أو أي من أقاربه.
وهو أيضا وإن كان يبحث عن مثل هذه العلاقات، إلا أنه لا يقبل
1 / 17
هذه البنت زوجة له، لإيمانه: أن هذه التي تبني معه علاقة، فعندها الاستعداد أن تبني مع غيره فلا يؤمَن جانبها.
وإتماما للفائدة لا بد من الإجابة على سؤال روتيني يسأله كل شاب وشابة:
ما هو حكم الحب؟
بداية: يضيق الناس مفهوم الحب كثيرا، حتى إذا ذكرت هذه الكلمة انصرفت عند الغالبية العظمى من الناس إلى العلاقة بين الرجل والمرأة وضيقت في هذا المفهوم.
والحق الذي ينبغي أن يعرفه الجميع أن الحب عقيدة مهمة من عقائد المسلمين.
فلا يتم الإيمان إلا بحب الله ورسوله وكتابه والصحابة وجماعة المؤمنين، وهذا ما جاءت به الأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تدل على هذا الأصل العظيم.
فقد بين الحق سبحانه أن حب الله لا يتم إلا باتباع أمر النبي ﷺ: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (آل عمران:٣١).
وقد قال النبي ﷺ:» لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه مسلم: ٦٢.
وكثيرة هي أنواع الحب التي ينساها الناس، فإذا ذكر الحب انصرف إلى العلاقة بين الرجل والمرأة فحسب.
وأما الحب بين الرجل والمرأة فنوعان:
النوع الأول: ما لا يستطيع القلب رده وهذا يعرض على القلب، ولا دخل للإنسان فيه.
1 / 18
فمثلا: إذا ذكرت امرأة ومدحها الناس لجمالها أو لعلمها أو لدينها وأخلاقها أو لشيء تتميز به، فإن بعض قلوب السامعين يتعلق بها دون أن يكون له قصد أو دخل في هذا.
وقد يرى الرجل المرأة بنظرة عابرة فيحصل هذا الذي يجده في قلبه من حبها، والتعلق بها، ويتمنى أن تكون زوجته.
وقد يكون العكس فالمرأة قد يذكر أمامها رجل، بصفات مثالية من خلق ودين وعلم وغير ذلك، أو تراه وتعجب لشيء فيه فيدخل في قلبها وتتمنى أن يكون زوجا لها.
وهذا النوع من الحب: لا يأثم به المسلم لأنه خارج عن إرادته.
وهذا الذي كان النبي ﷺ يطلب من ربه أن يسامحه عليه: ميل القلب الذي لا يملكه الإنسان.
قالت عائشة ﵂: كان رسول الله ﷺ يقسم فيعدل، ويقول: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رواه أبو داود: ٢١٣٤.
وقال الشوكاني: صححه ابن حبان والحاكم (١)، وضعفه الألباني.
النوع الثاني: ما كان القلب فيه مختارا، وتسرح فيه الجوارح بما تشاء من كلام وغزل ومراسلات، وأحيانا اختلاط وخلوة، مما يدمر البيوت ويذر الديار بلاقع، ويسبب العداوة والبغضاء فيما بين الناس. ولعل هذا الذي يقصده أكثر الشباب في أسئلتهم.
وإقامة هذا النوع من الحب كانت وسائله في القديم قليلة، لا بد فيها من اللقاء بين الرجل والمرأة، أو على الأقل وجود من يسوق مثل
_________
(١) نيل الأوطار: ٦/ ٢٥٢.
1 / 19
هذا الحب.
وأما اليوم فوسائله كثيرة، وسبله سهلة خصوصا في عهد الاتصالات، والهواتف المحمولة، وأكثر من ذلك شبكات الانترنت.
وحكم هذا الحب: حرام بالأدلة النقلية والعقلية:
الأدلة على تحريمه:
١ - لما كان النبي ﷺ في الحج: «...... اسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَم (١): فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ.
قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ بن العباس، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا ........» رواه الترمذي: ٨٨٥، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني.
فلما رآه النبي ﷺ وفي نظراته شيء، خشي عليه من الفتنة، فتخيل لو تطور الأمر إلى الكلام بينهما، والمغازلة فهل سيسكت النبي ﷺ عنهما؟!!
فدل على أن ذلك حرام بطريق الأولى.
٢ - إذا كانت هناك علاقة بينهما فلا بد أن يكون هناك نظر، ونظر الرجل للمرأة حرام إذا لم يكن هناك حاجة.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر،
_________
(١) قبيلة من قبائل اليمن: تحفة الأحوذي: ٣/ ٣٦٢.
1 / 20