وبعد، فليس في يد أحد - لا بطرك ولا مطران - أن يتنازل عن حقوقنا المسجلة والمعمول بها عرفا منذ أربعة عشر قرنا، فالشرع يقول: المعروف عرفا كالمشروع شرعا.
ليس لأحد أن يقول للموارنة: قد تنازلت عن هذا الحق فاخضعوا؛ لأننا لا نتنازل ولا نخضع، هب أن جميع الموارنة رضوا بالأمر، فأنا لا أرضى، والحق عادة لا يكون نصيره أولا إلا واحد.
فإذا كان هؤلاء الرؤساء الذين تختارهم رومية أرادوا أن يخرجوا من حظيرة تقاليد الطائفة؛ فلهم ذلك. أما الأوقاف فهي مارونية لبنانية، لا إيطالية رومانية.
إن جدودنا لم يقفوها لتكون سلاحا في أيدي هؤلاء ليقتلوا بها طائفتهم وكرامتها.
عندما شاخ البطرك - مع أنه ظل أصلب عودا من الشباب، وأوفر عقلا من الكهول - شاع أنه لا يقطع خيط قطن بدون استشارة جيانيني، والحقيقة غير ذلك؛ لأن القاصد بلغ مرة المطران يوحنا مراد أمرا رسوليا، فركض ذلك المطران إلى بكركي يخبر البطرك إلياس، فانتفض وقال لمطرانه: في رجعتك إلى كرسيك في عرامون دربك على حريصا، فحول وقل لجيانيني: ليس من حقك أن توجه إلي أمرا؛ فهذا يعني بطركي، فخاطبني بواسطته.
ومع ذلك، فكل هذه الجرأة لم تكن ترضينا حتى روينا عن الشيخ خليل الخازن، ميرالاي الجند اللبناني في زمن الانتداب، أنه كان جالسا في مقهى أبي عفيف، وكرجت من أمامه سيارة القاصد جيانيني، فسأله أحدهم: «منو» هذا المطران؟
فأجاب الشيخ وهو يشير إلى المستشار الفرنسي «بوافان» الذي كان يقضي ويمضي عن الشيخ خليل: هذا يا عمي «بوافان» البطرك.
إذا دلت هذه النكتة الخازنية على شيء، فهي تدل على أن زعماء الموارنة يرفضون حتى الاستشارة، ولكن أين الزعماء اليوم؟
وإني لأعجب كيف أذعنوا واستكانوا حتى لم نسمع صوت أحد، فمنذ قرون هذا الصراع قائم على قدم وساق، وما الذي حدث من تدخل إلا غيمة عابرة.
أما الآن، فليعلم أبناء مارون أن دود الجبن منه وفيه. فلتنصب الطائفة المصالي للجرذان التي ترقص في أقبيتها، فتتقاتل الفيران على كشك الجيران كما يقول المثل.
অজানা পৃষ্ঠা