من شروط العقل الفعال أن يكون قويا، يهدم ليبني. ونحن لا نجسر على فتح طاقة تدخل منها الشمس إلى بيتنا العتيق؛ ولهذا مصل دمنا وأصبح دما قنفذيا كأنه الصديد.
إن المنهاج في نظر القوامين عليه والذين طبخوه في الخفاء شيء تافه لا يؤبه له ، فكل غايتنا من تعديله أن تنفق كتبنا، وكلما ازداد عدد البيع زعمنا أن ثقافتنا توطدت، ورحنا نتحدث عن الإشعاع، ويا له إشعاعا بلا زيت!
وفوق ذلك نريد أن نكون أمة، ومن سمع ببيت بلا أساس وشجرة بلا جذور؟!
لا أدري كيف يشع سراج، بل كيف يشعل وهو مخنوق في غرفة لا يدخلها الأوكسجين من خلف ولا من قدام، ولا من فوق ولا من تحت؟ تلك حال طلابنا ومنهاجنا.
في سنة 1933م، دعينا لتعديل منهاج عام 1929م، وكان ذلك المنهاج يحتوي على دراسة العصور وتاريخ العرب وثقافتهم، وأطوار الأدب، وأكثر من مائة كاتب وشاعر، فجعلنا عدد الكتاب والشعراء تسعة وعشرين، ومع ذلك رأت الهيئات التعليمية والتلاميذ أن الحمل ثقيل، ويزيد في ثقله أنه مضجر ممل، فكنا إذا فرغنا من دراسة امرئ القيس تحيرنا ماذا نقول في شعراء الجاهلية الآخرين؛ فنقص على تلاميذنا أخبار هؤلاء المفارد، نوهمهم بذلك أننا ندرسهم الأدب، وما نكون وإياهم إلا كمن يتعلل بالعلك عن الطعام.
وإذا عثرنا عند أحد هؤلاء على صورة أو تعبير أو فكرة لم يقلها ذو القروح، هاجمناها بأساطيلنا وغواصاتنا ودباباتنا وطائراتنا، وشننا عليها غارات حرب صاعقة، زاعمين أننا استولينا على المبادرة باكتشافنا كلمة جديدة عند شاعر.
إذا كان التعليم بناء تربويا اجتماعيا، فماذا نحن نبني من هؤلاء الأطفال في القرن العشرين؟ وأي صرح ممرد نرفع في عصر ناطحات السحاب؟
فلولا طرفة، وهو ليس أبعد رأيا من معاز معاصر، لاحمر وجهنا حين ندخل الصف.
وإذا بلغنا العصر الأموي رأينا ثلاثة شعراء سبابين شتامين نبشوا قبور جدودهم، وفضحوا النساء، وسبوا المشايخ، وأقلقت الجزيرة بذاءتهم، وما زادوا في نقائضهم على ما ينظمه اليوم قوالو العامة. بلاغتهم: سبني وأسبك، والشاعر الفحل من سب أحسن.
ولكي نخفف قلنا: فلنحذف اثنين من هؤلاء الثلاثة، فانتصر النصارى للأخطل، والمسلمون للفرزدق وجرير، وكان برهان أحدهم: الفرزدق شاعر الفخر، وجرير له حلو الهجاء ومره.
অজানা পৃষ্ঠা