মোনাদোলজিয়া এবং প্রকৃতি ও দিব্য সৌভাগ্যের মানসিক সিদ্ধান্ত
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
জনগুলি
ولكن هذه المستويات المتعددة ليست مناطق مختلفة معزولة؛ لأن العالم لا يتكون من أجزاء منفصلة، وإنما يتصل فيه كل شيء بكل شيء، وهذا الاتصال يقوم على أن كل ما هو موجود إنما هو مونادة أو كائن فرد مستقل. والواقع كله له طابع الأنتيليخيا أو صفة الروح. وفكرة الاتصال والترابط بين كل الموجودات تهدم كل محاولة يراد بها تفتيت الواقع إلى عناصر متنافرة. وتاريخ الفكر البشري مليء بمثل هذه المحاولات. ولا شك أن الهوة السحيقة التي حفرها ديكارت بين «الجوهر المفكر» و«الجوهر الممتد» كانت بمثابة إنذار خطير لم يستطع ليبنتز أن يتجاهله، ولكن لا شك أيضا أن ليبنتز عندما أكد الترابط بين جميع الموجودات قد عرض نفسه ومذهبه لخطر آخر؛ ألا وهو إغفال الحدود الفاصلة بين مناطق الوجود المتميزة أو طمسها، وهذه نتيجة تنتهي إليها كل الفلسفات الواحدية التي تعجز عن تفسير الواقع المتنوع؛ نظرا لأنها تقع فريسة لإغراء الوحدة التي تنطوي عليها.
وتعبر فلسفة ليبنتز عن فكرة الاتصال المستمر بين جميع الموجودات عن طريق تطبيق فكرة المونادة اللامادية على كل شيء، ولكن الإنصاف يقتضينا القول بأنه يطبق هذه الفكرة بصورة لا تخلو من العمق والأصالة؛ فهو يقول في الفقرة 56 من المونادولوجيا: «هذا الترابط أو هذا التلاؤم بين جميع المخلوقات وبين كل منها على حدة، ثم بين كل واحد منها، والجميع يترتب عليه أن يحتوي كل جوهر بسيط على علاقات تعبر عن مجموع الجواهر الأخرى، وأن يكون تبعا لذلك مرآة حية دائمة للعالم» (المونادولوجيا 56). ولكن بينما تعكس المرآة جزءا معينا من الواقع فحسب، فإن كل مونادة فردية تعكس الواقع في مجموعه.
فكرة ساحرة بغير شك، ولكنها تحير القارئ، وتدفعه إلى السؤال عن طبيعة ذلك الانعكاس. ولا بد أن نتذكر ما قلناه من أن المونادات غير مادية؛ أي إنها شيء عقلي أو فكري خالص، وهذا يفسر لنا أن ما هو في الخارج، يمكن أن يتمثل داخل المونادة، وهذا هو الذي جعل ليبنتز يصف هذه التمثلات بأنها «إدراكات». وليس من الضروري أن تشعر المونادة الفردية بهذه الإدراكات. فالمونادات العليا - كنفوس الحيوانات والعقل الإنساني بوجه خاص - هي التي تشعر بها شعورا واعيا، بل إن هذه المونادات العليا لا تشعر إلا بجزء من هذه الإدراكات.
وهكذا يوفق ليبنتز بين المبدأ الأساسي الذي يقول إن كل مونادة مرآة تعكس الكون بأكمله، وبين التجربة المباشرة التي تقول بأن عقلنا لا يعي سوى جزء بسيط من العالم. وتصورات المونادات أو إدراكاتها ليست صورا دائمة باقية، وإنما هي جزء من عملية دينامية يتم فيها الانتقال بصفة مستمرة من إدراك إلى إدراك آخر. والفعل الذي يسبب هذا الانتقال المستمر هو «النزوع»، وبهذا يكون الإدراك والنزوع مظهرين للحياة التي تتميز بها المونادة. •••
وتفكير ليبنتز يميل إلى التأليف والتركيب والتوفيق بين الآراء والمذاهب والأفكار المتعارضة، ولكن يبدو أنه لا ينجح دائما في ذلك، فهو إذا كان يقول بترابط جميع المونادات واتصالها ببعضها البعض، فهو يقول من ناحية أخرى إن كل مونادة على حدة ذات كيان فردي مستقل بنفسه تمام الاستقلال. وقد قيل بحق إن ليبنتز هو أعظم من قال بفكرة التفرد، صحيح أنه لم يكن أول القائلين بها؛ إذ إن المشكلة موجودة في الفكر الغربي منذ عهد أفلاطون، ولكن الحق أنه حاول أن يجيب عليها إجابة جديدة وأصيلة، فهو يرى أن مبدأ التفرد موجود في مبدأ الترابط بين جميع المونادات، أو بالأحرى في نفس الحقيقة التي يقوم عليها هذا المبدأ الأخير؛ أي في انعكاس الكون كله عن طريق الإدراك، فكل مونادة تتميز عن الأخرى حسب درجة إدراكها، ومدى هذا الإدراك من الوضوح والتميز، أو الغموض والاختلاط. وثمة تدرج مستمر يبدأ من الإدراكات المظلمة الغامضة التي لا يصاحبها الشعور، إلى الإدراكات الواضحة المتميزة التي يتمثلها العقل الإنساني. ولا تتفاوت الإدراكات من حيث الدرجة فحسب، بل إن لكل مونادة منظورا خاصا تعكس العالم كله من خلاله. «وكما أن مدينة واحدة بعينها، إذا تأملها المرء من جوانب مختلفة، تبدو في كل مرة على صورة مختلفة تمام الاختلاف، وكأن لها منظورات متعددة، كذلك توجد أيضا - بسبب الكثرة اللانهائية للجواهر البسيطة - عوالم عديدة مختلفة ليست في الواقع إلا منظورات لعالم واحد وفقا لوجهات النظر المختلفة لكل مونادة على حدة» (المونادولوجيا 57). وهذه في الحقيقة فكرة بالغة الخصوبة. إنها توفق كما قلت بين المبدأين، وتنسق بين تفرد كل وجهة نظر للعالم وبين وحدة العالم المنظور إليه، هذا بالإضافة إلى أن تفرد كل مونادة على حدة يتسق مع الترابط المتصل بين المونادات؛ أي إن تفرد الفرد متصل بترابط الكل.
ويؤكد ليبنتز فكرة التفرد بفكرة أخرى؛ فهو يرى أن المونادة ليست فريدة وحسب، وإنما هي كذلك منعزلة تماما عن سائر المونادات، ومحكوم عليها بالعزلة بحكم ماهيتها، وهو يذهب إلى استحالة التفاعل المباشر بين المونادات الفردية، فليست هناك مونادة تؤثر على الأخرى، والمونادة عندما تحصل على إدراكاتها، أو تنتقل من إدراك إلى آخر، إنما تفعل هذا من داخلها فحسب. وقد وضح هذه الفكرة بقوله المشهور: «ليس للمونادات نوافذ يمكن من خلالها أن ينفذ إليها شيء أو يخرج منها» (المونادولوجيا 7).
وإذن فكل مونادة تعتمد على نفسها في تكوين الصورة التي لديها عن العالم، ولكن كيف نعرف أن هذه الصورة تتفق مع واقع العالم؟ وإذا تغير العالم فكيف نعرف أن صورته قد تغيرت كذلك بما يتفق معه؟ وكيف نبين أن كل مونادة في العالم متعلقة بكل المونادات، وأن كل تغير يلحق بإحدى المونادات ينعكس في كل مونادة أخرى على نحو واضح أو غامض؟
يلجأ ليبنتز إلى فكرة الله للإجابة على هذه الأسئلة العسيرة. لقد خلق الله جميع المونادات المتناهية أو الفانية، وقد خلقها بحيث لو تمت إدراكاتها وفقا للقوانين الداخلية الكامنة فيها، لعكست هذه الإدراكات إدراكات المونادات الأخرى، ومن ثم العالم كله، وهذا هو ما عبر عنه بمبدئه المشهور عن «التناسق المقدر» أو «التجانس المدبر». فقد حرص الله عند خلق المونادات على تحقيق التجانس بينها جميعا.
وقد استعار ليبنتز تشبيها طريفا سبقه إليه غيره عندما صور الله في صورة صانع الساعات الذي أنشأ عدة ساعات تدور في وقت واحد بغير أن تؤثر إحداها على الأخرى.
كيف اهتدى ليبنتز إلى هذه الفكرة العجيبة؟ لا بد أن نبحث عن جذورها في مذهبه نفسه، وسنجدها في فكرته عن المونادة كما نجدها في فكرته عن العلية. إن المونادة بسيطة، ومعنى هذا أنها غير مادية. والعلية عند ليبنتز علية آلية لا يمكن أن توجد إلا في عالم من الأجسام، ويترتب على هذا في نظره استحالة تصور علاقة علية بين جواهر لا مادية.
অজানা পৃষ্ঠা