মোনাদোলজিয়া এবং প্রকৃতি ও দিব্য সৌভাগ্যের মানসিক সিদ্ধান্ত
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
জনগুলি
ليست كل الحقائق ضرورية ولا أبدية. فلا بد في رأي ليبنتز من التمييز بين حقائق العقل الضرورية الخالدة وحقائق الواقع العرضية الحادثة؛ فالأولى هي التي لا يمكن تصور ضدها، وإلا كانت متناقضة مع نفسها، ومنها مبادئ الرياضة والمنطق. أما الثانية فيمكن تصور ضدها، ومنها الحقائق التاريخية وقوانين الفيزياء (مثل قانون الحركة)، والقدرة على تصور نقيض الحقيقة، أو عدم تصوره هو المعيار المنطقي الذي اعتمد عليه ليبنتز في التمييز بين حقائق العقل وحقائق الواقع.
بيد أن هذه التفرقة لا تلزم العقل البشري وحده، فقد نتصور أنها ترجع إلى قصور المعرفة البشرية، وتقيد العقل بحدود لا يمكنه أن يتخطاها، بحيث لو اتسع نطاق هذا العقل، وزادت قدرته وأصبح في قوة العقل الإلهي لانقلبت الحقائق الواقعية إلى حقائق عقلية، وقد نجد في بعض كتابات ليبنتز ما يوحي بهذا التصور، ولكنه في الحقيقة تصور خاطئ. فالفرق الفاصل بين النوعين قائم بالقياس إلى الله، بل إن ليبنتز يحاول أن يوضحه من وجهة النظر الإلهية نفسها. لقد تكونت حقائق العقل في العقل الإلهي المطلق، ومنه استمدت ضرورتها المطلقة، أما حقائق الواقع فترجع إلى إرادة الله، وتستمد قيمتها من إرادة الخالق الذي شاء أن يختار هذا العالم من بين عدد لا حصر له من العوالم الممكنة. بيد أن اختيار هذا العالم ليس فعلا تعسفيا من جانب الله؛ إذ لا يمكن أن يفيض الله نعمة الوجود إلا على عالم واحد ممكن، ألا وهو هذا العالم الذي هو أصلح وأفضل عالم ممكن. ومعنى هذا أنه يمكن تصور عوالم أخرى ممكنة، ولكنها من الناحية التاريخية والواقعية مستحيلة التحقيق، كذلك يمكن تصور الضد المقابل للحقائق الواقعية، ولكنه من الناحية التاريخية والواقعية مستحيل. وهكذا يمكن أن نقول، بغير افتراء على تفكير ليبنتز، إن الحقائق الحادثة تنطوي أيضا على نوع من الضرورة يمكن إذا جاز الوصف أن نسميها الضرورة المشروطة أو النسبية. والواقع أن الوعي بالضرورة المطلقة التي تميز حقائق العقل، والضرورة النسبية التي تميز حقائق الواقع هو أهم ما أنجزه العقل البشري، وهو كذلك أوضح ما يميزه عن سائر الحيوانات. إنه لا يقف عند تسجيل الوقائع التجريبية، بل يكتشف الحقيقة ويسعى إليها، وهذا هو سر عظمته وكرامته، وهو المخلوق الوحيد الذي استطاع أن يؤصلها وينميها؛ لأنه المخلوق الوحيد الذي أسس العلوم، وعمل على تقدمها وازدهارها. وأسمى هذه العلوم هو العلم الرياضي الذي بلغت فيه حقائق العقل الخالدة أعلى صورها وأنقاها. فمبادئ الرياضة بغير استثناء تنتمي للحقائق الضرورية التي لا يرقى إليها الشك. والرياضة هي المثل الأعلى للعلم الثابت. ولهذا فليس عجيبا أن يعدها ليبنتز النموذج الذي ينبغي على سائر العلوم - بما في ذلك الميتافيزيقا! - أن تقتدي به وتحتذي مناهجه. وليبنتز عالم رياضي، بل هو من أعظم علماء الرياضة في كل العصور، ولا شك أنه تأثر في كل هذه الآراء بتعصبه للنزعة الرياضية والعقلانية، ولكن تاريخ الرياضة أثبت صعوبة تحقيق آماله، كما دلت البحوث والخلافات التي ثارت في العقود الأولى من القرن العشرين حول أصول الرياضة أنها ليست من الثبات واليقين بالقدر الذي نتصوره.
ومع ذلك فقد أدى اهتمام ليبنتز بالمناهج الرياضية إلى اكتشاف عظيم نشهد اليوم آثاره في الأجهزة الحاسبة والسيبرنيطيقا والمنطق الرمزي ... إلخ، ولا يمكننا أن نقدر أبعاده في المستقبل، وهي في صميمه اكتشاف بسيط مؤداه أن الإنسان يضطر في أثناء التفكير إلى استخدام الرموز والعلامات. والعلوم الرياضية توضح هذه الخاصية التي تميز الفكر البشري في أعلى صوره، فالرياضي يستخدم في حساباته رموزا وعلامات معينة تختصر عمليات رياضية طويلة، واستدلالات عقلية معقدة، وهو لا يتوصل إلى نتائجه الرياضية إلا لأن لغة الرياضة هي لغة العلامات، ولما كان التفكير الرياضي في رأي ليبنتز هو النموذج الأسمى للتفكير البشري عامة ، فقد كان من اليسير عليه أن يخطو خطوة أخرى قصيرة لكي ينتهي إلى أن التفكير البشري كله - باستثناء الأفكار الأولية التي يبدأ الإنسان منها - هو تفكير بالعلامات، بل إن اللغة العادية التي نستخدمها كل يوم هي أيضا نظام أو نسق من أمثال هذه العلامات، وكل علامة منها «تنوب» عن سلسلة معقدة من الاستدلالات الفكرية. وقد نستعمل أثناء تفكيرنا علامة لا نعرف معناها، ولا نشعر به على وجه التحديد، وبهذا يمكننا أن نختزل عملية فكرية مرهقة، ونصل إلى نتائج لم نكن لنصل إليها بغير هذا الاختزال. وخصوبة الفكر البشري وقدرته على الابتكار والإبداع تعتمد في الحقيقة أكبر اعتماد على نظام الرموز والعلامات الذي يستخدمه الإنسان عن وعي أو غير وعي أثناء التفكير، ومع أن العلامات أدوات نافعة كما رأينا إلا أن هذا النفع قد ينطوي على أبلغ الأخطار، وقد أدرك ليبنتز ذلك إدراكا واضحا، ولعله قد أحس بفطرته الفلسفية الصائبة أن قائمة الأخطار التي تكمن في هذا الطابع الرمزي للفكر الإنساني قائمة طويلة تمتد من أقدم العصور، وتحفل في كثير من الأحيان بالمصائب والمحن وأنهار الدماء، فمن السهل أن ينجح الإنسان في استخدام كلمة أو كلمات ترمز لمفهوم متناقض مع نفسه، ولكنه بذلك يضلل نفسه أو يضلل غيره عن جهل أو سوء نية. وما من واحد منا إلا وقد عانى من الكسل العقلي الذي يروج الشعارات الرنانة الطنانة التي تلقى دون تريث أو روية، فتبث سمومها الساحرة في الهواء الذي يتنفسه الناس، ومثل هذه الشعارات التي لم يتحقق أصحابها من محتواها أو تفننوا في صياغتها، بحيث يتعذر على الناس التحقق من صدق هذا المحتوى أو كذبه تسيء استخدام علامات اللغة ورموزها إما عن جهل أو سوء نية أو تحمس عاطفي أعمى. وتاريخ العالم الحديث عامر بالشواهد والأمثلة التي تدل على هذه القدرة الشيطانية على سوء استخدام العلامات اللغوية لخداع الناس أو السيطرة عليهم، واستغلال عجزهم أو كسلهم أو خوفهم من التفكير المستقل.
وإذا كانت اللغة - بوصفها نسقا من العلاقات - هي أداة الفكر البشري فمن واجبنا أن نختبر مدى كفاءة هذا النسق وفاعليته. ويشك ليبنتز في صلاحية اللغة اليومية للتفكير العلمي، وقد قضى حياته في البحث عن نسق من العلامات يفيد العلم ويحقق له التقدم؛ فنحن نجده في العشرين من عمره مشغولا بما سماه «فن التركيب أو التأليف»
12
إذ رأى أن من الممكن اكتشاف نوع من «ألف باء التفكير البشري» عن طريق التحليل المستمر للمفاهيم والتصورات التي نستخدمها، بحيث يمكن أن نبني لغة أكثر دقة ونفعا وإحكاما، ثم نصل بعد ذلك إلى فكرته الشهيرة عن «الخصائص الكلية»،
13
التي أراد بها تحقيق نظام من العلامات يمكن أن يفهمه كل إنسان، كما يمكن أن يحل في العلم محل اللغة الدارجة. وقد كان يحلم بأن يضع مكان كل تصور شكلا مميزا أو رقما أو علامة رمزية، بحيث يمكن رد العلوم كلها إلى عمليات رياضية خالصة، والقضاء بذلك على المجادلات والخلافات العقلية بينها. بل لقد ذهب به الخيال إلى حد القول بأن المبشرين لو استخدموا هذه اللغة العالمية الشاملة لأمكنهم إقناع الناس جميعا بالعقيدة المسيحية، على نحو ما يقتنع جميع الناس بالعلوم الرياضية! ربما نقابل اليوم هذه الفكرة بالابتسام، ولكنها تعبر في الواقع عن نزعة التفاؤل والإيمان الساذج بالعقل التي غلبت على عصر التنوير، ومع ذلك قد يكون من الخطأ أن نتجاهل أهمية هذه الفكرة التي تدل كغيرها من أفكار الفيلسوف على الأصالة وبعد النظر. فلا حاجة بنا إلى القول بأن التعرف على الطابع الرمزي لتصوراتنا والانتباه إلى مزاياه وعيوبه يمكن أن يعيننا على الدقة في التفكير، والوعي بحدود اللغة والأخطار الناجمة عن سوء استخدام الكلمات والتلاعب بها دون تمحيص وتحقيق، بل دون وازع من ضمير. أضف إلى هذا أن البحث عن نظام كفء من الرموز والعلامات لا يزال مستمرا إلى اليوم، كما أن تطبيق المناهج الرياضية على العلوم المختلفة قد تزايد نطاقه في العصر الحديث، وأدى إلى نتائج جديرة بالاهتمام والإعجاب، وخصوصا في النطق الرمزي أو «اللوجيستيك» الذي يعد ليبنتز أباه الشرعي دون جدال! ومع ذلك فلا بد من القول بأن المحاولات التي تبذل لصياغة كل تفكير علمي صياغة رمزية رياضية وإخضاعه للمناهج الرياضية هي في الحقيقة محاولات تبدأ بداية خاطئة لا تخلو من التطرف والشطط. ولا يرجع هذا إلى قدرة التفكير الإنساني على تجاوز حدود العلم الرياضي إلى آفاق أوسع منه وحسب، بل يرجع كذلك إلى وجود مجالات من الواقع لا تعرف الرياضة عنها شيئا. وهذه حقيقة تصدق على عصر ليبنتز كما تصدق على عصرنا سواء بسواء. وما أصدق قول هاملت لصديقه هوراشيو: إن في العالم يا هوراشيو ما لا تبلغه حكمتك المدرسية! •••
يوصف مذهب ليبنتز في كتب تاريخ الفلسفة بأنه مذهب «عقلاني». ولا شك أن هذا الوصف صحيح بوجه عام. ولكن الفلسفة العظيمة، شأنها شأن الأدب العظيم، أكبر من الاسم الذي يطلق عليها، وأعمق من الشعار الذي يلصق بها أو التصنيف الذي تحبس في خانته! والدليل على هذا أننا نجد في فلسفة ليبنتز الإنسانية (أو الأنثروبولوجية) لمحات يتعذر أن نجدها في أعمال الفلاسفة العقلانيين. كان ديكارت فيلسوفا عظيما بغير شك، ولكن حماسه الشديد لوضوح الفكرة وتميزها وصفاء العقل وبداهته قد صرفه عن النظر في طوايا النفس الإنسانية، وقصر به عن الغوص إلى الأعماق الكامنة تحت سطح الوعي، وقد خالف ليبنتز الديكارتيين في هذه النقطة كما خالفهم في غيرها. فنحن نجد لديه لمحات صادقة مما نسميه اليوم باللاوعي أو اللاشعور. ومكنته نظريته عن الموناداة وطبيعة إدراكاتها أن يقدم نظرية عن اللاوعي الكامن في أعماق النفس. فالموناداة كما نعلم تعكس العالم كله، ولكنها تعكسه من وجهة نظرها فحسب؛ لأن الموناداة الإلهية وحدها هي القادرة على الرؤية الكلية الشاملة. ولما كان الإنسان عاجزا عن إدراك العالم بأكمله، فلا بد أن يكون في العقل البشري مجال للإدراكات غير الواعية. ولما كانت الإدراكات كلها تنشأ عن إدراكات سابقة عليها، كانت الإدراكات اللاواعية هي التربة التي تنمو فيها حياة النفس الواعية. ويرى ليبنتز أن الأعماق الكامنة في العقل الإنساني هي المصدر المباشر لكل معرفة، إن المعرفة لا تأتي من العالم الخارجي، وكيف يتسنى لها ذلك، وكل موناداة تعيش منعزلة مغلقة على نفسها «بلا نوافذ»؟
إن أصول المعرفة موجودة في كل موناداة فردية؛ أي في كل عقل على حدة. وهي تنشأ وتنمو عن طريق النشاط الباطن، بحيث تتقدم من إدراك إلى إدراك، وتصل إلى أكبر قدر من الوضوح والتميز.
অজানা পৃষ্ঠা