মুখতাসার তাফসির ইবনে কাসির
مختصر تفسير ابن كثير
প্রকাশক
دار القرآن الكريم
সংস্করণের সংখ্যা
السابعة
প্রকাশনার বছর
১৪০২ AH
প্রকাশনার স্থান
بيروت
জনগুলি
তাফসির
ثم قال تعالى: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا﴾ وَهَذِهِ الْحَالُ دَالَّةٌ عَلَى شِدَّةِ الْعَدَاوَةِ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ خِصْبٌ وَنَصْرٌ وَتَأْيِيدٌ وَكَثُرُوا وَعَزَّ أَنْصَارُهُمْ ساء ذلك المافقين، وَإِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ أَيْ جَدْبٌ أَوْ أديل عليهم الأعداء - لما لله تعالى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ كَمَا جَرَى يَوْمَ اُحُد - فَرِحَ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مخاطبًا للمؤمنين: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وتتَّقوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ الآية، يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ، الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ.
ثُمَّ شَرَعَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ أُحُد وَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الِاخْتِبَارِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّمْيِيزِ بين المؤمنين والنافقين، وبيان الصَّابِرِينَ فَقَالَ تَعَالَى:
- ١٢١ - وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
- ١٢٢ - إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
- ١٢٣ - وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
الْمُرَادُ بِهَذِهِ الوقعة يوم أُحُد عند الجمهور، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُد يَوْمَ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَسَلِمَتِ الْعِيرُ بِمَا فِيهَا مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أبي سفيان قَالَ أَبْنَاءُ مَنْ قُتِلَ وَرُؤَسَاءُ مَنْ بَقِيَ لِأَبِي سُفْيَانَ: ارْصُدْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ فأنفقوها في ذلك، فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو ثَلَاثَةِ آلَافٍ حَتَّى نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ أُحُد تِلْقَاءَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا استشار النَّاسَ: «أَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ أَمْ يَمْكُثُ بِالْمَدِينَةِ»؟ فَأَشَارَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبي) بِالْمُقَامِ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَقَامُوا بِشَرِّ مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوهَا قَاتَلَهُمُ الرِّجَالُ في وجوههم، ورماهم النساء والصبينان بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ، وَأَشَارَ آخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بدرًا بالخروح إِلَيْهِمْ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فلب لَأْمَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: لَعَلَّنَا اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ أَنْ نَمْكُثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لَهُ»، فسار ﷺ في ألف من أصحابه، فلما كانوا بالشوط رجع (عبد الله بن أُبي) بثلث الْجَيْشِ مُغْضَبًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ: لَوْ نَعْلَمُ الْيَوْمَ قِتَالًا لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون، وَاسْتَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَائِرًا حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلىأحد، وَقَالَ: «لَا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ حَتَّى نَأْمُرَهُ بِالْقِتَالِ».
وَتَهَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وأمَّر عَلَى الرُّمَاةِ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ) أَخَا بني عمرو ابن عَوْفٍ، وَالرُّمَاةُ يَوْمَئِذٍ خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُمْ: «انْضَحُوا الْخَيْلَ عَنَّا وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُمْ، وَالْزَمُوا مَكَانَكُمْ إِنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ»، وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ دِرْعَيْنِ،
1 / 314