مختصر طبقات الحنابلة - ت زمرلي
مختصر طبقات الحنابلة - ت زمرلي
প্রকাশক
دار الكتاب العربي
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
প্রকাশনার স্থান
بيروت
জনগুলি
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقَدّمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد فيقول العبد الفقير محمد جميل ابن الفاضل الكامل الشيخ عمر أفندي إبن العالم المحقق المرحوم الشيخ محمد أفندي ابن العلامة الشهير المبرور الشيخ حسن أفندي إبن الحاج عمر جلبي المعروف بابن شطي البغدادي أصلا، الإمام الحنبلي في الجامع الأموي بدمشق الشام حالا، أحسن الله حاله، وسدد أقواله وأعماله، لا يخفى أن سير الرجال من علم التاريخ قد طالما شغلت الأفكار، وحلت محل الاعتبار، وما زالت أجلة العلماء في جميع الأمصار والأعصار، يصنفون الأسفار، في تلك الأخبار. ولكن مشاربهم مختلفة ومقاصدهم شتى. فمنهم من تقيدوا بالزمان فترجموا رجال القرون قرنًا بعد آخر. ومنهم من تقيدوا بالمكان فترجموا رجال بلدة دون أخرى. ومنهم من تقيدوا بالفنون فكان هؤلاء أحسن عملًا من أولئك. إذ لا ريب خدمة العلم المطلقة خير من خدمة الزمان والمكان مقيدين ومن هؤلاء المؤرخين من وضعوا طبقات المذاهب الأربعة وفي جملتهم طبقات السادة الحنابلة رحمهم الله تعالى فقد اطلعت على الطبقات التي وضعها الشيخ العلامة القاضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي المقدسي ووصل فيها إلى سنة تسعماية للهجرة. ثم وجدت أن العلامة الأديب السيد محمد كمال الدين ابن السيد محمد شرِيف ابن شمس الدين محمد الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق جزاه الله خيرًا قد
1 / 5
وضع على الطبقات المذكورة ذيلًا وصل فيه من الحد الذي وقف عليه العليمي إلى سنة سبع ومائتين وألف. وقد رأيت عندي تراجم متفرقة لبعض علماء مذهبنا الأحمد مذهب الإمام أحمد ﵁ فجعلتها ذيلًا لطبقات الغزي المذكور ومن ثم أحببت أن أختصر شيئًا من طبقات العليمي والغزي أضيف إليه ذيلي الأنف ذكره ليجئ من ذلك كتاب يجمع أخبار المشاهير من علمائنا منذ عصر إمامنا إلى عصرنا هذا وأرجو أن يكون عملي مقبولا. وبعين الرضا مشمولًا، إن شاء الله تعالى.
قال العليمي رحمه الله تعالى: الحمد لله على لطفه وإحسانه حمدًا يليق بجلال عظمته وعز سلطانه، والشكر له على فضله وامتنانه، شكرًا لا يحصيه كاتب بقلمه ولا ناطق بلسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله إلى الثقلين وأيده بسلطانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، صلاة وسلامًا دائمين ما تحرك فلك في دورانه أما بعد فهذا مختصر استخرت الله في جمعه وترتيبه وسألته المعونة لي بفضله في وضعه وتهذيبه يتضمن نبذة من ترجمة إمامنا المبجل والحبر المفضل الرباني عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة وآخر المجتهدين من الأئمة ﵁ وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه وأحواله ومناقبه وذكر محنته وتاريخ مولده ووفاته وتراجم أصحابه رحمة الله عليهم فاذكر أولًا ما تيسر من مناقب الإِمام ﵁ ثم أذكر أصحابه الذين عاصروه فابتدئ بذكر من توفي منهم قبله ثم أذكر من توفي بعده ثم أذكر من لم تؤرخ وفاته من الفقهاء الذين كانوا على مذهبه في الأصول والفروع ونقلوه عنه إلى من بعدهم إلي أن وصل الينا. وأسرد أسماءهم متوالية ليتميزوا عن غيرهم من أصحابه الذين قرأوا عليه في الحديث وغيره ورووا عنه من غير المشهورين بالتمذهب بمذهبه في فروع الفقه. ثم أذكر أسماء الأصحاب من بعد الطبقة الأولى مرتبًا على الطبقات والوفيات ومن لم أطلع على تاريخ وفاته ذكرت اسمه وما وقفت عليه من ترجمته والعصر الذي كان موجودًا فيه أن عملته وأوجزت لفظه حسب الامكان وحذفت الأسانيد مما رويته فيه من الأحاديث الشريفة في بعض التراجم طلبًا للاختصار وسميته بالمنهج الأحمد في تراجم
قال العليمي رحمه الله تعالى: الحمد لله على لطفه وإحسانه حمدًا يليق بجلال عظمته وعز سلطانه، والشكر له على فضله وامتنانه، شكرًا لا يحصيه كاتب بقلمه ولا ناطق بلسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله إلى الثقلين وأيده بسلطانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، صلاة وسلامًا دائمين ما تحرك فلك في دورانه أما بعد فهذا مختصر استخرت الله في جمعه وترتيبه وسألته المعونة لي بفضله في وضعه وتهذيبه يتضمن نبذة من ترجمة إمامنا المبجل والحبر المفضل الرباني عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة وآخر المجتهدين من الأئمة ﵁ وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه وأحواله ومناقبه وذكر محنته وتاريخ مولده ووفاته وتراجم أصحابه رحمة الله عليهم فاذكر أولًا ما تيسر من مناقب الإِمام ﵁ ثم أذكر أصحابه الذين عاصروه فابتدئ بذكر من توفي منهم قبله ثم أذكر من توفي بعده ثم أذكر من لم تؤرخ وفاته من الفقهاء الذين كانوا على مذهبه في الأصول والفروع ونقلوه عنه إلى من بعدهم إلي أن وصل الينا. وأسرد أسماءهم متوالية ليتميزوا عن غيرهم من أصحابه الذين قرأوا عليه في الحديث وغيره ورووا عنه من غير المشهورين بالتمذهب بمذهبه في فروع الفقه. ثم أذكر أسماء الأصحاب من بعد الطبقة الأولى مرتبًا على الطبقات والوفيات ومن لم أطلع على تاريخ وفاته ذكرت اسمه وما وقفت عليه من ترجمته والعصر الذي كان موجودًا فيه أن عملته وأوجزت لفظه حسب الامكان وحذفت الأسانيد مما رويته فيه من الأحاديث الشريفة في بعض التراجم طلبًا للاختصار وسميته بالمنهج الأحمد في تراجم
1 / 6
أصحاب الإِمام أحمد والله سبحانه المسؤول أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه بعباده رؤوف رحيم.
* الإِمام المبجّل أحمد بن محمد بن حنبل:
ذكر ما تيسر من مناقبه
هو الإِمام البارع المجمع على جلالته وإمامته وورعه وزهادته وحفظه ووفور عقله وعلمه وسيادته إمام المحدثين والناصر للدين عن السنة والصابر في المحنة ومن لم تر عين مثله علمًا وزهدًا وديانة وأمانة الإمام الذي لا يجارى والفحل الذي لا يبارى ومن أجمع أئمة الدين على تقدمه في شأنه ونبله وعلو مكانه والذي له من المناقب ما لا يعد ولا يحصى وقام الله مقامًا لولاه لضعف الإِسلام واندرس العلم ومشى الناس على أعقابهم القهقري. إمام الأئمة رباني الأمة عالي الهمة ناصر الإِسلام والسنة شجرة نسبه في الأصل خليلية وفي الفرع إسماعيلية وأوراقها ربيعية وعروقها شيبانية استنار ذكره في الأمصار استنارة الشمس في النهار فهو صيرفي الحديث ينتقد الطيب من الخبيث قيس في الزهد والعلم بالحسن البصري وفي الرقائق والدقائق بذي النون المصري وفي التفسير ومعانيه بإبن عباس وفي التشديد على أهل البدع بعمر بن الخطاب الشديد البأس قام بإحياء الدين ونصره دون جميع أهل عصره وذب عن حريم الملة بسيف الكتاب والسنة حين برز الشيطان بجنوده وافتخر بكثرة عديدة حتى أظهر السنة من بعد ما اختفت وأقام قواعد الدين من بعد ما عفت فهو إمام أئمة الإِسلام وحجة الله على الأنام عليه أفضل التحية والسلام.
فهو الإِمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنسى بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن عمن بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهيسع بن حمل بن البت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وعَلَى جميع الأنبياء والمرسلين.
1 / 7
فهذا هو المروي عن عبد الله إبن الإِمام أحمد بن حنبل ﵄ ونقل ابن الجوزي وغير واحد من المؤرخين أن إبراهيم الخليل ﵇ إبن تارح وهو آزر بن ناحور بن سارعوغ بن رعون بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لامخ ويقال لأمل بن متشولخ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم ﵇.
حملت به أمه بمرو وقدمت بغداد وهي حامل به فولدته في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وكان أبوه محمد والي سرخس وكان من أبناء الدعوة العباسية توفي وله ثلاثون سنة وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائة فكانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرًا وعلمه به متوفرًا وكان في الكتاب وهو غلام يعرف فضله وسافر في طلب العلم أسفارًا كثيرة إلى البلاد الكوفة والبصرة والحجاز ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والسواحل والمغرب والجزائر والعراقين جميعًا وأرض فارس وبلاد خراسان والجبال والأطراف وغير ذلك طلب الحديث وهو إبن ست عشرة سنة وخرج إلى الكوفة سنة مات هشيم سنة ١٨٣ وهو أول سفره وخرج إلى البصرة سنة ١٨٦ وخرج إلى سفيان بن عيينة إلى مكة سنة ١٨٧ وقد مات الفضل بن عياض وهي أول سنة حج فيها وخرج إلى عبد الرزاق بصنعاء اليمن سنة ١٩٧ ورافق يحيى بن معين وحج خمس حجات ثلاث حجج ماشيًا واثنتين راكبًا وكان من أصحاب الإِمام الشافعي ﵁ وخواصه ولم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر وكان الإمام الشافعي يجله ويثني عليه ثناء حسنًا قال حرملة سمعت الشافعي ﵁ يقول عند قدومه إلى مصر من العراق ما خلفت بالعراق أحدًا يشبه أحمد بن حنبل وقال الربيع بن سليمان قال لنا الشافعي ﵁ أحمد بن حنبل إمام في ثمان خصال إمام في الحديث إمام في الفقه إمام في اللغة إمام في القرآن إمام في الفقر إمام في الزهد إمام في الورع إمام في السنة.
ذكر قوة فهمه وغزارة علمه
عن أحمد بن صعيد قال ما رأيت أسود رأس أحفظ لحديث رسول الله
1 / 8
ﷺ ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أبي عبد الله أحمد بن حنبل وعن إبراهيم الحربي قال رأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك عما شاء قال: أبو جعفر التستري قيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ فقال أحمد بن حنبل حزرت كتبه في اليوم الذي مات فيه فبلغت اثنى عشر حملًا وعدلًا وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه.
ذكر مصنفاته
صنف المسند وهو ثلاثون ألف حديث وكان ابتداؤه فيه سنة ١٨٠ وكان يقول لابنه عبد الله احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إمامًا وعن حنبل بن إسحاق قال جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا وقال لنا هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله ﷺ فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة - وصنف التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألف حديث - وصنف التاريخ والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وجوابات القرآن والرد على الزنادقة في دعواهم التناقض في القرآن والرد على الجهمية وفضائل الصحابة والمناسك الكبير والصغير وكتاب الزهد وحديث شعبة وغير ذلك من الكتب.
ذكر بعض ما أنشده من الشعر له ولغيره
عن أحمد بن يحيى قال كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل فسرت إليه فلما دخلت عليه قال لي فيم جئت قلت في النحو والعربية فأنشد أحمد بن حنبل ﵁:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل … خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة … ولا أن ما يخفى عليه يغيب
1 / 9
لهونا عن الأعمال حتى تتابعت … ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى … ويأذن في توباتنا فنتوب
إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم … وخلفت في قرن فأنت غريب
وعن علي بن خشرم أنه سمع أحمد بن حنبل يقول:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها … من الحرام ويبقى الأثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها … لاخير في لذة من بعدها النار
وروي من قوله في علي بن المديني:
يا ابن المديني الذي عرضت له … دنيا فجاد بدينه لينالها
ماذا دعاك إلى انتحال مقالة … قد كنت تزعم كافرًا من قالها
أمر بدا لك رشده فتبعته … أم زهرة الدنيا أردت نوالها
ولقد عهدتك مرة متشددًا … صعب المفادة التي تدعى لها
إن المرزأ من يصاب بدينه … لا من يرزأ ناقة وفصالها
ذكر هيئته ووصفه
كان الإِمام أحمد ﵁ شيخًا أسمر شديد السمرة طوالا وخضب رأسه ولحيته بالحناء وهو إبن ثلاث وستين سنة خضابا ليسى بالقاني وكان حسن الوجه في لحيته شعرات سود وثيابه كانت غلاظًا إلا أنها بيض وقال عبد الله ابَنه ما مشى أبى في سوق قط وكان ﵀ أصبر الناس على الوحدة ولم يره أحد إلا في المسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض وعن الحسين بن إسماعيل قال سمعت أبي يقول كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة ألاف أو يزيدون أقل من خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت وعن أبي بكر المطوعي قال اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده فما كتبت منه حديثًا واحدًا إما كنت انظر إلى هديه وأخلاقه وآدابه.
1 / 10
ذكر حسن أخلاقه وعشرته
عن أبي داود السجستاني قال لم يكن أحمد بن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا فإن ذكر العلم تكلم وقال مجالس أحمد بن حنبل مجالس الآخرة لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط وعن الحسين بن المناوي قال سمعت جدي يقول كان أحمد من أحيى الناس وأكرمهم نفسًا وأحسنهم عشرة وأدبًا كثير الاطراق والغض معرضًا عن القبيح واللغو لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن وإذا لقيه إنسان بشَ به وأقبل عليه وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا وكانوا يكرمونه ويعظمونه وسئل لم لا تصحب الناس قال لوحشة الفراق وعن إسحاق بن هانئ قال كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل في منزله ومعنا المروذي ومهنا بن يحيى الشامي فدق داق الباب وقال المروذي ها هنا وكان المروذي كره أن يعلم موضعه فوضع مهنا بن يحيى إصبعه في راحته وقال ليس المروذي ها هنا وما يصنع المروذي ها هنا فضحك أحمد ولم ينكر ذلك.
ذكر محنته ﵁
وسبب ذلك أنه لم تزل الناس على ما كان عليه السلف وقولهم أن القرآن غير مخلوق حتى ظهرت المعتزلة الضالة وقالت يخلق القرآن وكان الناس في زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد على ما كان عليه السلف كما روي عن محمد بن نوح قال سمعت هارون أمير المؤمنين يقول بلغني أن بشر المريسي زعم أن القرآن مخلوق على أن ظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط. واستمر الأمر كذلك في زمن الأمين محمد بن هارون الرشيد. ثم ولي المأمون أبو جعفر عبد الله بن هارون الرشيد وكانت ولايته في الحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة فصار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وحسنوا له قبيح القول بخلق القرآن فصار إلى مقالتهم وقدر أنه في آخر عمره خرج من بغداد لغزو بلاد الروم فعن له أن يكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب الشرطة ببغداد أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن. فاستدعى جماعة من
1 / 11
العلماء والقضاة وأئمة الحديث ودعاهم إلى ذلك فامتنعوا فهددهم فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر الإمام أحمد ﵁ على الامتناع فلما أصر حمل على بعير وسيروه إلى الخليفة فبلغه توعد الخليفة له بالقتل إن لم يجب إلى القول بخلق القرآن فتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أن لا يجمع بينه وبينه فبينما هو في الطريق قبل وصوله إليه إذ جاءهم الصريخ بموت المأمون وكان موته في شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين. فرد الإِمام أحمد إلى بغداد وحبس - ثم ولي الخلافة المعتصم وهو أبو اسحاق محمد بن هارون الرشيد وقدم من بلاد الروم فدخل بغداد في مستهل شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين فامتحن الإِمام وضرب بين يديه في الشهر المذكور وكان ما كان. . . ثم أمر الخليفة بحبسه فبقي محبوسًا نحو ثمانية وعشرين شهرًا آخرها رمضان سنة عشرين ومائتين - ثم في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ولي الواثق وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم فلم يتعرض للإِمام في شيء وإنما امره أن يختفي فاختفى الإمام إلى أن توفي الواثق - ولما ولي المتوكل وهو أبو الفضل جعفر بن المعتصم وكانت ولايته في ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين ومائتين خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد وطعن عليهم. فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن ونهى عن الجدل والمناظرة في الآراء وعاقب عليه وأمر بإظهار الرواية للحديث فأظهر الله به السنة وأمات البدعة فاستبشر الناس بولايته وأمر بالقبض على وزيره الزيات فوضعه في تنور إلى أن مات. وذلك سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وابتلي قاضي القضاة أحمد بن أبي داود بالفالج بعد موت الوزير بسبعة وأربعين يومًا فولي القضاء مكانه ولده محمد فلم تكن طريقته مرضية ثم سخط المتوكل عل أحمد بن أبي داود وولده في سنة ٢٣٩ وأخذ جميع ضياع الأب وأمواله وأخذ من الولد مائة وعشرين ألف دينار وجوهرًا بأربعين ألف دينار وسيره إلى بغداد وولى القاضي يحيى بن أكتم قضاء القضاة وكان من أئمة الدين وعلماء السنة ثم مات ابن أبي داود بمرض الفالج في المحرم سنة أربعين ومائتين ومات ولده محمد قبله بعشرين يومًا وكان بشر المريسي قد أهلكه الله ومات في ذي الحجة سنة ٢١٨ وعن عمران بن موسى قال دخلت على أبي العروق الجلاد الذي ضرب الإمام أحمد
1 / 12
لانظر إليه فمكث خمسًا وأربعين يومًا ينبح كما ينبح الكلب وقد انتقم الله من كل خصومه المبتدعين الذين سعوا في أمره وخذلهم ونصره عليهم بحول الله وقوته وبركة كتابه العزيز وسنة نبيه ﷺ وشرع المتوكل في الإحسان إلى الإِمام وتعظيمه وإكرامه وكتب إلى نائبه بغداد إسحاق بن إبراهيم أن يبعث إليه بالإِمام أحمد فبعث به معظمًا مكرمًا إلى الخليفة بسر من رأى قال عبد الله بن أحمد وبعث المتوكل يقول أحببت أن أراك وأن أتبرك بدعائك وأنزلنا دارًا والمتوكل يرانا من وراء الستر فأمر لأبي بثياب ودراهم وخلعة فبكى وقال أنسلم من هؤلاء منذ ستين سنة فلما كان آخر العمر ابتليت بهم ولما جاؤوا بالخلعة لم يمسها فجعلها على كتفيه فما زال يتحرك حتى رمى بها وأبى أن يقبل المال فقبل له أن رددتُه وجد عليك في نفسه ففرقه على مستحقيه ولم يأخذ منه شيئًا وكان كل يوم يرسل إليه من طعامه الخاص فلا يأكل منه لقمة قال صالح وأمر المتوكل أن يشرى له في دارًا فقال أبي يا صالح إن أقررت لهم بشراء دار لتكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع ثم عاد إلى بغداد وكان المتوكل لا يولي احدًا إلا بمشورة الإمام أحمد ومكث الإمام إلى حين وفاته قل أن يأتي يوم إلا ورسالة الخليفة تنفذ إليه في أمور يشاوره فيها رحمهما الله تعالى.
ذكر وفاته ﵁
مرض الإِمام ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول فأقبل الناس لعيادته وكثروا ولزموا الباب بالليل والنهار وسمع السلطان بكثرة الناس فوكل ببابه وباب الزقاق المرابطة وأصحاب الأخبار فأغلق باب الزقاق وكان الناس بالشوارع والمساجد حتى تعطل بعض الباعة وكان ابن عطاء يتعاهده بالغداة والعشي ولم يجتمعا وجاء إليه حاجب ابن طاهر وقالا أن الأمير يقرئك السلام وهو يشتهي أن يراك فقال له هذا مما أكره وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه وجعلوا يبكون وجاء قوم من القضاة وغيرهم فلم يؤذن لهم وكان يخدمه في أموره المروذي وكان قد كتب وصيته فقال اقرأوها فقرئت عليه ونسختها (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل أوصى أنه يشهد أن لا
1 / 13
إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره عَلَى الدين كله ولو كره المشركون وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله تعالى في العابدين وأن يحمدوه في الحامدين وأن ينصحوا لجماعة المسلمين وإني رضيت بالله ربًا وبالإِسلام دينًا وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا وأوصى أن لعبد الله فوران علي نحوًا من خمسين دينارًا وهو يصدق فيما قال فيقضى ماله على من غلة الدار إن شاء الله تعالى) انتهى. فلما مات أحله فوران من دينه ولم يأخذه فإنه كان من أعظم أصحابه ثم أن الإمام استدعى بالصبيان من ذريته فجعلوا ينضمون إليه وجعل يشمهم ويمسح بيده على رؤوسهم وعينه تدمع فقال له رجل لا تغتم لهم يا أبا عبد الله فأشار بيده أن لا وجعل يدعو لهم واشتدت به العلة يوم الخميس قال المروذي فلما كانت ليلة الجمعة ثقل وظننت أنه قبض وأردنا أن نمده فجعل يقبض قدميه وهو موجه وجعلنا نلقنه فيقول لا إله إلا الله وهو مستقبل القبلة بقدميه فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتى ملأوا السكك والشوارع فلما كان النهار من يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين قبض ﵀ وله سبع وسبعون سنة وكان مرضه تسعة أيام وبعض العاشر فصاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت وقعد الناس فخفنا أن ندع الجمعة فأشرفت عليهم فأخبرتهم أنا نخرجه بعد صلاة الجمعة قال المروذي فلما فرغنا من غسله وأردنا أن نكفنه غلبنا عليه بنو هاشم وجعلوا يبكون عليه ويأتون بأولادهم فيبكون عليه ويقبلونه وكان له ثلاث شعرات من شعر النبي ﷺ فأوصى أن يجعل في كل عين شعرة وعلى لسانه شعرة ووضعناه على السرير وشددناه بالعمائم وحمل جنازته وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر وكانت الصفوف من الميدان إلى باب القطيعة وحزر من حضرها من الرجال بمائة ألف ومن النساء بستين ألفًا غير من كان في الطرق وفي السفن. وعلى السطوح وقيل أكثر من ذلك ودفن بباب حرب ببغداد وقبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به وما خلف إلا ستة قطع أو سبعة في خرقة كان يمسح بها وجهه وقال أمير المؤمنين المتوكل لمحمد بن عبد الله بن طاهر طوبى لك صليت على أحمد بن حنبل وعن
1 / 14
أبي الحسن التميمي عن أبيه عن جده أنه حضر جنازة الإمام أحمد قال فمكثت طول الأسبوع رجاء أن أصل إلى قبره فلم أصل من ازدحام الناس عليه وأسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفًا من اليهود والنصارى والمجوس ووقع عليه المآتم من جميع الطوائف وكان الإمام أحمد يقول بيننا وبينهم يوم الجنائز يعني أهل البدع - وكان له كرامات واضحة ﵁ فمن كراماته ما روي عن ابنه عبد الله قال رأيت أبي حرج على النمل أن تخرج من داره ثم رأيت النمل قد خرجت نملًا سودًا فلم أرها بعد ذلك وقال أبو طالب علي بن أحمد دخلت يومًا على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندق قلمي فأخذ قلمًا فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري فقلت هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل فوضعه فيها فحملت النخلة - وروي عن قاضي القضاة ابن الحسين الزيني أن الحريق وقع في دارهم فاحترق ما فيها إلا كتاب كان فيه شيء بخط الإِمام أحمد وذكر الشيخ الإمام أبو الفرج بن الجوزي قال لما وقع الغريق ببغداد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وغرقت كتبي سلم لي مجلد فيه ورقات من خط الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وعن الربيع بن سليمان قال كتب الشافعي كتابًا إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل ثم قال لي يا أبا سليمان انحدر بكتابي هذا إلى العراق إلى أحمد بن حنبل ولا تقرأه فأخذت الكتاب وخرجت من مصر حتى قدمت العراق فوافيت مسجد أحمد بن حنبل فصادفه يصلي الفجر فصليت معه وكنت لم أركع السنة فقمت أركع عقيب الصلاة فجعل ينظر إلي مليًا حتى عوفني فلما سلمت من صلاتي سلمت عليه وأوصلت كتابي إليه فجعل يسألني عن الشافعي طويلًا قبل أن ينظر في الكتاب ثم فضه وقرأه حتى إذا بلغ موضعًا منه بكى وقال أرجو من الله تعالى أن يحقق ما قاله الشافعي قلت يا أبا عبد الله أي شيء قد كتب إليك قال أنه رأى النبي ﷺ في نومه وهو يقول له يا ابن إدريس بشر هذا الفتى أبا عبد الله أحمد بن حنبل أنه سيمتحن في دين الله ويدعي أن يقول القرآن مخلوق فلا يفعل وأنه سيضرب بالسياط فإن الله ﷿ ينشر له بذلك علمًا لا ينطوي إلى يوم القيامة فقلت البشارة فأي شيء جائزتي عليها وكان عليه ثوبان فنزع
1 / 15
أحدهما فدفعه إلي وكان مما يلي جلده وأعطاني جواب الكتاب فخرجت حتى قدمت عَلَى الشافعي فأخبرته بما جرى قال فأين الثوب قلت هو ذا قال لا نبتاعه منك ولا نستهديك ولكن اغسله وجئنا به قال فغسلته وحملت مائه إليه فتركه في قنينة فكنت أراه في كل يوم يأخذ منه فيمسح على وجهه تبركًا بأحمد بن حنبل ﵄. ومن ورعه أنه نهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهرًا وأجرى عليه المتوكل وعلى ولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر فبعث إليه أبو عبد الله أنهم في كفاية فبعث إليه المتوكل إنما هذا لولدك ما لك ولهذا وقال أحمد بن محمد التستري أتى على أحمد ثلاثة أيام ما طعم فيها شيئًا فبعث إلى صديق له فافترض منه شيئًا من دقيق فعرف أهله شدة حاجته إليه فخبزه عاجلًا فلما وضع بين يديه قال كيف خبزتم هذا بسرعة قالوا كان تنور صالح مسجورًا فخبزناه عاجلًا قال ارفعوه ولم يأكل منه لأن صالحًا ولي القضاء قال ابن عساكر لما ولي ابنه صالح القضاء كان بينه وبينه باب فسده الإمام أحمد وله غير ذلك شيء كثير رحمه الله تعالى.
ذكر ما قيل فيه من الأشعار والمراثي
قال إسماعيل الترمذي في قصيدة أنشدها أحمد بن حنبل ﵀ وهو في سجن المحنة:
إذا ذكر الأشياخ يومًا وحرروا … فاحمد من بين المشايخ جوهر
دقيق أديم الوجه حلو مهذب … لدى كل ذي علم وتقوى موقر
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبة … من الناس إلا ناقص العقل مغور
هو المحنة اليوم الذي يبتلى به … فيعتبر السني فينا ويسبر
شجى في حلوق الملحدين وقرة … لا عين أهل النسك عف مشمر
جرى سابقًا في حلبة الصدق والتقى … كما طبق الطرف الجواد المضمر
إذا افتخر الأقوام يومًا بسيد … ففيه لنا والحمد لله مفخر
فقل للأولى يشنونه لصلاحه … وعفته والمرء بالجهل يعذر
جُعلتم فداء أجمعين لنعله … فإنكم منها أذل وأحقر
1 / 16
لريحانه القراء تبغون عثرة … وكلكم من جيفة الكلب أقذر
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه … رويدك عن إدراكه سنقصر
تمسك بالعلم الذي كان قد وعى … ولم يلهه عنه الخبيص المزعفر
ولا بغلة هملاجة مغربية … ولا حلة تطوى سرارًا وتنشر
ولا منزل بالساج والكلس متقن … ينقش فيه جصه ويصور
ولا أمة براقة الجيد حلوة … بمنطقها تصمي الحكيم وتسحر
حمى نفسه الدنيا وقد سنحت له … فمنزله إلا من القوت مقفر
فإن يك في الدنيا مقلا فإنه … من الأرب المحمود والعلم مكثر
ومما ينسب للإمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجة مبرورة … ويحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصًا … فاعلم بأن ستوره ستهتك
ومما ينسب له أيضًا:
قالوا يزورك أحمد وتزوه … قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته … فلفضله فالفضل في الحالين له
وحكى أن الإِمام ﵁ قال في حق الشافعي:
إن نختلف نسبًا يؤلف بيننا … أدب أقمناه مقام الوالد
أو يفترق ماء البلاد فوردنا … عذب تحدر من إناء واحد
1 / 17
الطبقة الأولى: فيمن عاصروه وأخذ عنهم وأخذوا عنه ممن لم يكن متمذهبًا بمذهبه
* الشيخ معروف الكرخي
معروف بن الفيرزوان أبو محفوظ العابد المعروف بالكرخي منسوب إلى كرخ بغداد وكان أحد المشهورين بالزهد والعزوف عن الدنيا يغشاه الصالحون ويتبرك بمقامه العارفون وكان يوصف بأنه مجاب الدعوة وحكى عنه كرامات وأسند عنه أحاديث كثيرة عن بكر بن حنيس والربيع بن صبيح وغيرهما روى عنه خلف بن هشام البزار وزكريا بن يحيى المروزدي ويحيى بن أبي طالب وحكى عن إمامنا قال رأيت أحمد بن حنبل فتى عليه آثار النسك سمعته يقول كلامًا جمع فيه الخير وسمعته يقول من علم أنه إذا مات نسي أحسن ولم يسي وكان أحمد بن حنبل يقول معروف الكرخي من الابدال وهو مجاب الدعوة وذكر في مجلس أحمد أمر معروف الكرخي فقال بعض من حضر هو قصير العلم فقال أحمد امسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف وحكى إسماعيل بن شداد قال: قال لنا سفيان بن عيينة من أين أنتم قلنا من أهل بغداد فقال ما فعل ذلك الحبر الذي فيكم قلنا من هو قال أبو محفوظ معروف قال قلنا بخير قال لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم وقال إبراهيم الحربي قبر معروف الترياق المجرب وقال رجل لمعروف أوصني فقال توكل على الله وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره واعلم أن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ولا يمنعونك وقال معروف أني لأجد ألم الندم بعد الموت منذ الساعة وقال إذا أراد الله
1 / 19
بعبد خيرًا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبد شرًا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل وقال معروف بلغني أن من لعن إمامًا حرم عدله وقال معروف من صلى ست ركعات بعد المغرب غفر له ذنوب أربعين سنة وقال صدقة المقابري رأيت معروفًا في النوم وكأن أهل القبور جلوس وهو يختلف بينهم بالزيحان فقلت يا أبا محفوظ اليس قدمت فقال:
موت التقي حياة لا نفاد لها … قد مات قوم وهم في الناس أحياء
ومات معروف سنة مائتين رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين.
* الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السايب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي يجتمع مع النبي ﵇ في عبد مناف. أبو عبد الله الشافعي الإِمام الأعظم والحبر المكرم أحد الأئمة المجتهدين الأعلام إمام أهل السنة ركن الإسلام لقي جد شافع رسول الله ﷺ وهو مترعرع وكان أبوه السايب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له لم لم تسلم قبل أن تفدي نفسك فقال ما كنت لأحرم المؤمنين طمعًا لهم في ولد الشافعي بغزة من الشام على الأصع سنة خمسين ومائة سنة وفاة الإِمام أبي حنيفة وقيل في اليوم الذي مات فيه ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبالمدينة وقدم بغداد مرتين وخرج إلى مصر فنزلها وكان وصوله إليها سنة تسع وتسعين ومائة ولم يزل بها إلى وفاته سمع مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة واجتمع مع إمامنا وسمع منه وذاكره ونقل عنه وحاضره ذكره الأئمة الحفاظ منهم أبو حاتم الرازي وقال تعلم الإِمام الشافعي أشياء من معرفة الحديث من أحمد بن حنبل وقال إسحاق بن حنبل كان الشافعي يأتي أبا عبد الله عندنا عامة النهار يتذاكران الفقه وما أخرج الشافعي في كتبه حدثني بعض أصحابنا عن إسماعيل وأبي معاوية والعراقيين فهو عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل وقال فضل بن زياد عن أحمد أنه جالس الشافعي بمكة
1 / 20
فأخذ عنه التفتيق وكلام قريش وأخذ الشافعي عنه معرفة الحديث قال عبد الله وسمعت أبي وذكر الشافعي يقول ما استفاد منا أكثر مما استفدناه عنه وقال الخطيب في أول كتاب السابق واللاحق حدث عن أحمد بن حنبل أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وأبو القاسم البغوي فتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين وتوفى البغوي سنة سبع عشرة وثلاثمائة وقال الربيع كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة ختمة وفي كل يوم ختمة وقال أحمد بن حنبل ستة أدعو لهم سحرًا أحدهم الشافعي ﵁ قال الشافعي حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين قال الربيع بن سليمان كان الشافعي يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة قال إسحاق بن راهويه لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال تعال حتى أريك رجلًا لم تر عيناك مثله فأراني الشافعي وكان ﵁ كثير المناقب جم المفاخر منقطع القرين اجتمعت فيه من العلوم بكتاب الله تعالى وسنة الرسول ﷺ وكلام الصحابة وآثارهم واختلاف أقاويل العلماء وغير ذلك من معرفة كلام العرب واللغة والعربية والشعر ما لم يجتمع في غيره حتى أن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار المذللين ومناقب الشافعي وفضائله كثيرة لا يمكن حصرها وتحتمل الأفراد بالتأليف وهو اول من تكلم في اصول الفقه وهو الذي استنبطه وقال أبو ثور من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكينه فقد كذب وقال الإمام أحمد بن حنبل ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه. ومن أولاد الشافعي أبو عثمان محمد كان قاضي مدينة حلب وتوفي الإِمام الشافعي بمصر يوم الجمعة ودفن من يومه بعد العصر آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين بالقرافة الصغرى وقبره مشهور بزار نفعنا الله به وحكى الزعفراني قال سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت في المنام كأن النبي ﷺ قد مات وكأن الناس قد أقبلوا إلى جنازته قال فأصبحت ونظرنا فإذا الشافعي قد مات في ذلك اليوم.
- تم المختصر من الطبقة الأولى -
1 / 21
* إسحاق عم الإِمام أحمد
إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو يعقوب الشيباني عم إمامنا أحمد سمع يزيد بن هارون والحسين بن محمد المروذي روى عنه ابنه حنبل ومحمد بن يوسف الجوهري وكان ثقة ولد سنة إحدى وستين ومائة وكان ملازمًا في أكثر أوقاته مجلس أحمد ونقل عنه أشياء كثيرة قال المروذي سمعت أبا عبد الله وقال له عمه لو دخلت إلى الخليفة فإنك تكرم عليه قال إنما غمي من كرامتي عليه توفي إسحاق بن حنبل سنة ثلاث وخمسين ومائتن عن اثنتين وتسعين سنة ﵀.
* صالح ابن الإمام أحمد
أبو الفضل صالح أكبر أولاد الإِمام ولد سنة ثلاث ومائتين سمع أباه وأبا علي المديني وأبا الوليد الطيالسي وإبراهيم بن الفضل الدارع روى عنه ابنه زهير وابن القاسم البغوي ومحمد بن جعفر الخرائطي ويحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبو الحسين بن المناوي وأبو الحسن بن بشار وأبو بكر الخلال وقال كان الناس يكتبون إليه من المواضع يسأل لهم عن المسائل فوقعت إليه مسائل جياد وكان معيلا على حداثته وكان سخيًا بطول ذكر سخائه أن يرسم في كتاب ولي قضاء أصفهان ودخل إليها فبدأ بالمسجد فدخله وصلى ركعتين واجتمع الناس والشيوخ وجلس وقرئ عهده الذي كتب له الخليفة فجعل يبكي فبكى الشيوخ الذين قربوا منه فلما فرغ من قراءة العهد جعل المشايخ يدعون له ويقولون ما في بلدنا أحد الا وهو يحب أبا عبد الله ويميل إليك فقال لهم ما تدرون ما الذي أبكاني ذكرت أبي ﵀ أن يراني في مثل هذا الحال كان يبعث خلفي إذا جاء رجل زاهد أو رجل صالح متقشف لأنظر إليه يحب أن أكون مثلهم ولكن الله يعلم ما دخلت في هذا الأمر إلا لدين قد غلبني وكثر عيالي وكان صالح قد ولي القضاء بطرسوس قبل أصبهان وتوفي بأصبهان ودفن إلى قرب قبر حمامة الدوسي صاحب رسول الله ﷺ في شهر رمضان سنة ست وستين ومائتين وله ثلاث وستون سنة وله أولاد منهم زهير وأحمد رحمه الله تعالى.
1 / 22
* حنبل ابن عم الإمام
حنبل بن إسحاق بن حنبل أبو علي الشيباني ابن عم إمامنا وأبا نعيم الفضل بن ركين وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم وسعيد بن سليمان وعازم بن الفضل وسليمان بن حرب حدث عنه ابنه وقد اختلف في اسم ابنه فقوم قالوا عبيد الله وقوم قالوا عبد الله ويحيى بن صاعد وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان ثقة ثبتًا وسئل عنه الدارقطني فقال كان صدوقًا قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل والله تعالى لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة توفى بأواسط جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى.
* أبو بكر المروذي
أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز أبو بكر المروذي كانت أمه مروذية وأبوه خوارزميا وهو المقدم من أصحاب أحمد لورعه وفضله وكان إمامنا يأنس به وينبسط إليه روي عنه مسائل كثيرة منها قال سمعت أبا عبد الله يقول يكره للرجل أن ينام بعد العصر ويخاف على عقله قال أبو بكر الخلال خرج أبو بكر المروذي إلى الغرف فشيعه الناس إلى سامرا فجعل يردهم فحزروا فإذا هم بسامرا سوى من رجع نحو خمسين ألفا فقيل له يا أبا بكر أحمد الله فهذا علم قد نشر لك قال فبكى ثم قال ليس هذا العلم لي إنما هذا علم أحمد بي حنبل توفي المروذي في جمادي الأولى سنة خمس وسبعين ومائتين ودفن عند رجل قبر الإِمام رحمه الله تعالى.
* عبد الله ابن الإِمام
عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرحمن حدث عن أبيه وعن عبد الأعلى بن حماد. وكامل بن طلحة ويحيى بن معين وخلق كثير روى عنه أبو القاسم البغوي وعبد الله بن إسحاق المدايني وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان
1 / 23
ثقة ثبتًا فهمًا ولد في جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين روى عبد الله عن أبيه قال أرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء ولا نقول إنهما يفنيان بل هما عند الله ﷿ باقيان وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي متى يجوز سماع الصبي في الحديث قال إذا عقل وضبط وسمعت أبي وسئل عن القراءة بالالحان فقال محدث قال القاضي أبو الحسين قرأت في كتاب أبي الحسين بن المناوي وذكر عبد الله وصالحًا فقال كان صالح قليل الكتاب عن أبيه فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحدا روى منه عن أبيه رحمهما الله سمع منه المسند وهو ثلاثون ألفًا والتفسير وهو مائة وعشرون ألفًا سمع منها ثمانين ألفًا والباقي وجادة وسمع الناسخ والمنسوخ والتاريخ وحديث شعبة والمقدم والمؤخر من كتاب الله تعالى وجوابات القرآن والمناسك الكبير والصغير وغير ذلك قال عبد الله كل شيء أقول قاله أبي فقد سمعته مرتين وثلاثًا وأقله مرة وقال عبد الله قال أبي قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة وقبور أهل البدع من الزهاد حفرة فساق أهل السنة أولياء الله وزهاد أهل البدعة أعداء الله وقال عبد الله قال أبي قال أبو هريرة عن النبي ﷺ إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وسلسلت فيه الشياطين وأغلقت أبواب جهنم قلت لأبي قد نرى المجنون يصرع في رمضان فقال هكذا الحديث ولا نتكلم في هذا وقال عبد الله سئل أبي لم لا تصحب الناس قال لوحشة الفراق توفي عبد الله بن أحمد في يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادي الآخرة سنة تسعين ومائتين ودفن في مقابر باب التبن وصلى عليه زهير بن صالح بن أحمد وكان يصبغ بالحمرة كثيف اللحية وعاش سبعًا وسبعين سنة رحمه الله تعالى.
* أحمد حفيد الإِمام
أحمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل روى عن جده الإِمام أحمد قال حدثنا جدي أحمد بن حنبل حدثنا روح بن عبادة عن مالك بن أنس عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت كنت أغتسل انا ورسول الله ﷺ من إناء واحد ﵀.
1 / 24
* أحمد ابن عم الإِمام
أحمد بن عبد الله بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ابن عم إمامنا جالس إمامنا وسمع منه أشياء وحدث عن محمد بن الصباح الدولابي وروى عنه عبد الله ابن إمامنا أحمد وغيره رحمه الله تعالى.
* عباسة بنت الفضل زوجة الإِمام وأم ابنه صالح
كان أحمد يثني عليها وسمعت منه أشياء وماتت في حياته قال زهير بن صالح بن أحمد تزوج جدي أم أبي عباسة بنت الفضل وهي من العرب من المربض ولم يولد له منها غير أبي ثم توفيت قال أحمد أقامت أم صالح عندي عشرين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة.
* ريحانة بنت عم الإِمام وزوجته وأم ابنه عبد الله
تزوجها الإِمام لما ماتت أم صالح وكانت بفرد عين فأقام معها سبعًا وقالت له بعدما دخلت بأيام هل تنكر مني شيئًا فقال لا إلا هذه النعل التي تلبسينها لم تكن على عهد رسول الله ﷺ فباعتها واشترت مقطوعًا فكانت تلبسه ولم يولد له منها غير عبد الله سمعت من الإِمام أحمد أشياء رحمها الله تعالى.
- تم المختصر من ذيل الطبقة الأولى -
قال المؤلف العليمي ﵀: قد بلغ عدد أصحاب الإِمام الذي عاصروه وروى عنهم ورووا عنه ثمانية وسبعين وخمسمائة فمنهم من كانوا على مذهبه في الأصول والفروع ونقل الفقه عنهم إلى من بعدهم حتى وصل إلينا وقد بلغ عدد هؤلاء مائة وثلاثة وثلاثين نفسًا وهم:
أحمد بن جعفر الوكيعي. محمد بن الحكم. أحمد بن نصر الخزاعي. عبيد الله بن سعيد السرخسي. أحمد بن الحسن الترمذي. هارون بن عبد الله الحمال. أحمد أبو طالب المشكاتي. أحمد بن منيع البغوي. عصمة بن أبي
1 / 25