فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال.
وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال، وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون من تلك الخلال، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات.
والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين، ومنهم يدخلون إلى أصناف الإلحاد في أسماء الله وفي آيات كتابه المبين، كما قرر ذلك رؤوس الملحدة من القرامطة الباطنية، وغيرهم من المنافقين.
وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم، من الملوك وغيرهم، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه: خدابنده، وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين، فأخبرتهم أن هذا الكتاب وإن كان من أعلى ما يقولونه في باب الحجة والدليل، فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل. فإن الأدلة إما نقلية، وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في
المذهب التقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله تعالى فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (1) .
وهم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل.
ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأخبار بين المعروف الكذب، أو الغلط، أو الجهل، بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم، والآثار، وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات. فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية، وتارة يتبعون المجسمة والجبرية.
পৃষ্ঠা ১০