[قول المفيد (رحمه الله) في رؤية المحتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) عند الوفاة] الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خيرة الخلق أجمعين محمد وآله الميامين وبعد; فقد ذكر الشيخ السعيد المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي «رضوان الله عليه» في كتابه (المقالات) ما حكايته:

(القول في رؤية المحتضرين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين (عليه السلام) عند الوفاة:

هذا باب قد استقر وأجمع عليه أهل الإمامة، وتواتر الخبر به عن الصادقين من الأئمة «صلوات الله عليهم» وقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)) الخبر به، وأورد الشعر المشهور الذي يروى أن أمير المؤمنين «صلوات الله عليه وسلامه» قاله للحارث الهمداني (1) وهو:

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني شخصه وأعرفه * باسمه والكنى وما فعلا وأنت يا حار إن تمت ترني * أسقيك ماءا تخاله عسلا

পৃষ্ঠা ১৩

ثم قال - رحمه الله تعالى -: (غير أني أقول فيه أن معنى رؤية المحتضر لهما (عليهما السلام) هو العلم بثمرة ولايتهما، و (١) الشك فيهما والعداوة لهما، أو التقصير في حقهما (٢) على اليقين بعلامات يجدها في نفسه [وأمارات ومشاهدة أحوال ومعاينة مدركات لا يرتاب معها بما ذكرناه] (٣) دون رؤية البصر لأعيانهما (عليهما السلام) ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع. [وقد قال الله - عز وجل -: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾</a> (٤)، وإنما أراد - جل شأنه - بالرؤية ههنا معرفة ثمرة الأعمال على اليقين الذي لا يشوبه ارتياب.

وقال: - سبحانه -: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فان أجل الله لآت﴾</a> (5) ولقاء الله - تعالى - هو لقاء جزائه على الأعمال، وعلى هذا القول محققوا النظر من الإمامية، وقد خالفهم فيه جماعة من حشويتهم، وزعموا أن المحتضر يرى نبيه ووليه ببصره كما يشاهد المرئيات، وانهم يحضران مكانه ويجاورانه بأجسامهما في المكان] (6).

ثم قال (رحمه الله) في الكتاب أيضا: (القول في رؤية المحتضر الملائكة (عليهم السلام):

والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأميرالمؤمنين «صلى الله عليهما» وجائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله - تعالى - في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله وأميرالمؤمنين «صلوات الله عليهما وسلامه»، لاختلاف ما بين أجسامهم وأجسام الملائكة في التركيبات...) (7).

[أمر ليس فيه ترخيص ولا عنه محيص] يقول عبد الله الحسن بن سليمان بن محمد: عذري عند إخواني المؤمنين في ذكري

পৃষ্ঠা ১৪

ولا سيما في شرحي لهذه المسألة أحاديث مروية عن أهل البيت (عليهم السلام) بطريق معتبر، والحديث الذي تجهل راويه لا يحتج بمثله عند أهل العلم والنظر.

فاعلم; هدانا الله - تعالى - لدينه وإياك، وأرشدنا إلى معرفة ما ظهر ونقل عن الأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام)، من أسرارهم الشريفة، وعلومهم اللطيفة المنيفة، التي خص بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخاه وجعله خازنا لها، وجعل الباب الذي يؤتى منه وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأورثها آله الطاهرين (عليهم السلام) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

NoteV00P015N01 أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها (1).

وهذا أمر منه لساير امته ليس فيه ترخص ولا عنه بد.

NoteV00P015N02 وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: يا كميل! لا تأخذ إلا عنا تكن منا (2).

NoteV00P015N03 وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: كل علم - أو قال: شيء - لم يخرج من هذا البيت فهو باطل (3)، وأشار بيده إلى بيته.

وهذا حق; لقوله عز اسمه: (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4) وهو عام لا

পৃষ্ঠা ১৫

يجوز تخصيصه; لقوله - سبحانه -: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1) وفي الآية الشريفة بلاغ لمن (ألقى السمع وهو شهيد) (2).

[أين دليل التأويل؟] فنقول: الشيخ - رحمه الله تعالى - اعترف بالحديث وصدقه، لكنه أوله بمعنى: «علم المحتضر بثمرة ولايتهما والشك فيهما والعداوة لهما والتقصير في حقوقهما على اليقين بعلامات يجدها في نفسه دون رؤية البصر لأعيانهما (عليهما السلام) ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع».

فيقال له: أهذا الذي أنكرت من رؤية البصر لأجسادهما بعينهما (عليهما السلام) وقلت: إنه ليس المراد بل المراد العلم بثمرة ولايتهما أو عداوتهما، هل هو شيء استندت فيه إلى برهان من الكتاب أو السنة يجب التسليم له والانقياد له والاعتماد عليه؟!

NoteV00P016N04 كما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل (3).

أو أخذته من غيرهما؟

فإذا وجدنا هذا التأويل لا يوافق الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)، الصريحة الصحيحة، من أن الأموات يرون الأموات والأحياء بعد الموت، وكذلك الأحياء يرونهم حقيقة في اليقظة والنوم، ويرون أهاليهم وما يسرهم فيهم وما يغمهم.

ونذكر إن شاء الله - تعالى - بعض ما رويناه في هذا المعنى وأنه حقيقة لا مجاز.

পৃষ্ঠা ১৬

[هل أن شرط الرؤية في هذا العالم يجري بعد الموت؟] ومنعه (رحمه الله) من رؤيته لهما (عليهما السلام) بسبب عدم اتصال الشعاع جوابه أن يقال له:

هبك علمت أن شرط الرؤية في هذا العالم اتصال الشعاع من الرائي إلى المرئي، فمن أين لك أن هذا الحكم يجري بعد الموت في عالم البقاء؟! والله - سبحانه - يقول:

(وكان الله على كل شيء مقتدرا) (1) ويقول: (ويخلق ما لا تعلمون) (2).

NoteV00P017N05 وقد جاء في الحديث عنهم (عليهم السلام): لا تقدر عظمة الله - تعالى - على عقلك فتهلك (3); فقدرته - سبحانه - بلا كيف ولا يحيط بها العلم.

ولو سئل المنكر لرؤية المحتضر لهما «صلى الله عليهما» عند موته عيانا:

هل يقدر الله - سبحانه - أن يري المحتضرين الحجج «صلوات الله عليهم» عند الممات وبعده كما أقدر النائم أن يرى من يراه في أبعد البلاد في حياة المرئي، وبعد موته، على صورته وقالبه الذي كان يعرفه به، وربما أكل معه وشرب وتحدثا بما قد يفيد العلم أو لا يقدر؟

لا سبيل إلى إنكار القدرة، فإذا جاز وقوعها فلا يجوز تأويله والعدول عن الظاهر من غير ضرورة ولا امتناع.

[الروايات الدالة على إمكان الرؤية في الحياة وبعد الممات] فأما الرواية في ذلك:

পৃষ্ঠা ১৭